رشيد حسن
حقيقتان ساطعتان تفرضان نفسيهما يوم الارض الخالد وهما:
الاولى: لن تجد ارضا في هذا الكون، ارتوت من دم شعبها، بأكثر من الارض الفلسطينية، منذ ان خلق الله هذه الارض، واوعز للبشر بان يعمروها، فكان الكنعانيون الفلسطينيون، رسل حضارة، فشيدوا المدن وأولها القدس، وطوعوا البحر، ونشروا الابجدية، لتحرير الانسان من عدوه الاول الجهل ..وبقوا على العهد والوعد.
الثانية : ولن تجد أرضا لفظت الغزاة عبر التاريخ، كارض فلسطين، فهذه الارض تكالبت عليها كل امم الارض، وما من أمة في التاريخ القديم والحديث، الا وقد غزت، أو راودها غزو فلسطين، وكان نصيبهم جميعا الاندحار، ليعودوا من حيث قدموا، ‘عابرون في كلام عابر’ ..ومن هنا جاء قوله تعالى في وصف شعب فلسطين ‘ان فيها قوما جبارين ‘صدق الله العظيم..
وهذا يعيدنا الى اول السطر ..
الى الغزوة الصهيونية التي بدأت نهاية القرن التاسع عشر، وفق مخطط استعماري خبيث يهدف الى تحقيق هدفين هما:
الاول: ان تكون اسرائيل جسرا للاستعمار الغربي،وموطىء قدم له، وقاعدة لجيوشه، لاحكام السيطرة على المنطقة العربية، ونهب خيراتها، وثرواتها ..الخ
ثانيا: حل المسألة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني، والتخلص من اليهود، ومن تبعات الـ’الجيتو’اليهودي ..وذلك بانشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وهذا ما دفع بلفور الى اصدار وعده المشؤوم، وهو أيضا كان وراء صيحة نابليون قبل ذلك، بعد ما هزمته عكا ‘ يا يهود العالم تجمعوا في فلسطين’ ..!
وهذا يقودنا، ونحن نحتفل بيوم الارض الخالد، ومن خلال استجلاء الحقائق والمعطيات التي اججت الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، الى التأكيد بان هذا الصراع هو صراع وجود .. صراع على الارض.، وهو ما يجعله يختلف عن كل الصراعات التي عرفها العالم، وقد بدأ قبل وعد بلفور، وهو الذي أوحى الى الصهاينة الاوائل بان يبدعوا في الكذب والتزوير، لتمرير هدفهم، وتسويق روايتهم الملفقة، فادعوا ‘ان فلسطين ارض بلا شعب .. لشعب بلا ارض’..
رغم ان مبعوثي هيرتسل اكدوا ‘ ان العروس جميلة، ولكنها متزوجة ‘ ..!!
ومن هنا..
فأول عمل قاموا به بعد نزولهم من السفن خلسة تحت الظلام، على شواطىء فلسطين، هي الاستيلاء على الارض، بمساعدة السلطة البريطانية المستعمرة، واقامة المستعمرات الزراعية ‘ الموشاف’ بتمويل من راس المال اليهودي، فمول اليهودي الفرنسي المليونير روتشيلد، اول 30′ مستعمرة، وفي مقدمتها مستعمرة ‘بتاح تكفا’ ومعناها بالعربية ‘ بيت الامل ‘ بالقرب من مدينة يافا، لتشكل المدماك الاول في اقامة الكيان الغاصب على ارض فلسطين العربية. ولتجسد الايدلوجية الصهيونية القائمة على : التجمع،الاقتحام، الاستيطان، الترانسفير.
وبالتالي..فنظرة سريعة الى المشهد الفلسطيني الدامي ومنذ أكثر من ‘100’ عام، منذ إقامة مستعمرة ‘بتاح تكفا عام 1887، والى احاطة القدس باكثر من ’12’ مستعمرة، واكبرها ‘معاليه ادوميم ‘ والتي تمتد حتى مشارف البحر الميت، وتحيط بالقدس، احاطة السوار بالمعصم، لتفصلها عن محيطها العربي ..وقد مول اقامة هذه المستعمرات المليونير اليهودي الروسي موسكوفيتش.
هذا المشهد الدامي يختصر الصراع في عبارة واحدة وحيدة وهي الارض..وعلى الارض . ولا شيء سوى الارض..
الشعب الفلسطيني عرف الحقيقة مبكرا، ووقف على ابعاد المؤامرة، أو بالاحرى الجريمة التي تنفذها اميركا وبريطانيا خدمة لمصالحهما بالدرجة الاولى، فقرر هذا الشعب التصدي بقوة ووعي لهذه الجريمة من خلال الصمود والمقاومة، ففجر اعظم الثورات والانتفاضات في التاريخ اللتين اذهلتا العالم؛ ثورة 36 وانتفاضة الحجارة..الخ، ولايزال ماضيا في طريق النضال، وفي طريق المقاومة، وقد أصبحت فلسطين، بفضل عبقرية هذا الشعب وتضحياته المتواصلة، والتي زادت عن ‘500’الف شهيد، واصراره على المقاومة بصفتها الطريق الوحيد للحياة، والطريق لوحيد للكرامة.. اصبحت فلسطين هوية نضالية ينتمي اليها كل احرار العالم.
لقد استطاع هذا الشعب بكفاحه الاسطوري، ان يعري العدو الصهيوني، ويسقط القناع عن وجهه النازي؛ ليؤكد للعالم ان اسرائيل هي الوجه الاخر للنازية، والوجه الاخر للابرتهايد، والوجه الاخر للفاشية..
ومن ناحية اخرى استطاع الشعب الفلسطيني بصبره وصموده ونضاله المجيد، ان يكشف ابعاد واهداف المشروع الصهيوني العنصري، والذي لا يشكل خطرا على فلسطين وشعبها فقط، بل على الامة كلها، فهو علاوة على انه ركيزة لاميركا، فلقد شارك في العدوان الثلاثي على مصر، مع بريطانيا وفرنسا، وقام بتدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981، وبعده قام بتدمير المفاعل السوري في دير الزور، وقام وبدعم وتنسيق اميركي مطلق بشن عدوان 67، واسقاط المشروع القومي، وهو من اقام دويلة العميل لحد في جنوب لبنان، ودعم الانعزاليين اللبنانين، وشارك مع الكتائب اللبنانية في ارتكاب ابشع جرائم العصر ..جريمة صبرا وشاتيلا، وها هو يدعم الخوارج التكفييرين بالسلاح، ويستقبل جرحاهم في مستشفياته…الخ
باختصار..
في يوم الارض الخالد ..ها هو شعبنا في فلسطين من البحر الى النهر، وفي مخيمات الشتات والمنافي، في اربعة رياح الارض .. يؤكد انه على العهد والوعد ماض على طريق المقاومة، ماض على طريق الاستشهاد، ولن يتخلى عن شبر واحد من ارض فلسطين، مهما عظمت التضحيات. حتى تحرير فلسطين كل فلسطين.
فمن لا وطن له لا كرامة له.
المجد للشعب الفلسطيني الذي جعل كل الايام للارض.
والخلود لشهداء اليوم الخالد
والموت للعدو الصهيوني.