عمالة الأطفال … ظاهرة تدق ناقوس الخطر في مجتمعنا
انجاز – هبة الله أحمد فرّوخ
“أخرج من منزلي الساعة الثامنة مساءً وأعود في الثامنة صباحاً، لا أخاف ظلمة الليل، ولا أرتجف من برد الشتاء وصقيعه، أنا شاب كبير الآن وعلي أن أساند والدي في مصروف المنزل، الحياة صعبة وعلي أن أكسب قوت يومي” هذا ما قاله الطفل يامن (14 عام).
ليس يامن الطفل الوحيد الذي اضطر لتحمل مصاعب العمل في سن صغيرة، إذ يضطر للخروج مساءً للعمل في المخبز وتحمل نار موقده الحارقة ليستمر عمله طوال الليل في الفترة التي من المفترض أن تكون فترة اكتمال نمو الطفل، ليعود لمنزله بعد 12 ساعة عمل منهكاً لا يقوى على الوقوف.
يامن هو طفل في لعائلة سورية مكونة من والدين وأربع أخوات وأخ ، والذي اضطر للعمل لإعانة والده من أجل تأمين الحاجات الأساسية لعائلته خاصة بعد نقص المساعدات الموجهة للعائلات السورية في ظل أزمة كورونا.
إن عمالة الأطفال واقع يعيشه 1 من أصل 10 أطفال سلبتهم الحياة حقوقهم ورمت بهم خلف أبواب الورش والمصانع وفي الشوارع و على الإشارات.
تعد ظاهرة عمالة الأطفال انتهاكاً صريحاً لحقوق الطفل وسبباً في فقدانه أدنى حقوقه، ومدعاةً لاستغلاله جسديا وماديا من قبل محترفين يستغلون حاجتهم وقلة حيلتهم بصورة واضحة تحقيقاً لمكاسبهم الشخصية، فالأطفال في مرحلة الطفولة بحاجة ماسة إلى الرعاية والاهتمام والاحتواء وليس إلى الإهمال والشقاء.
عمل الأطفال في الأردن
يعتبر الأردن من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقيات الدولية التي تعنى بالقضاء الكامل على عمل الأطفال وأهمها “138” و”182″، وفي المادة (73) من قانون العمل الأردني تم تحديد عمر الطفل المناسب للعمل؛ فنص “على أنه لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشر من عمره بأي صورة من الصور”.
احصائيات
أشار تقرير مشترك صدر عن منظمة العمل الدولية واليونيسف بعنوان “عمالة الأطفال: التقديرات العالمية لعام 2020، الاتجاهات والطريق إلى الأمام” إلى ارتفاع حاد في ظاهرة عمالة الأطفال حول العالم لتشمل 160 مليون طفل أي بزيادة قدرها 8.4 مليون طفل خلال السنوات الأربع الماضية.
بحسب التقرير، يمثل قطاع الزراعة 70 في المائة من عمالة الأطفال (112 مليون طفل)، يليه 20 في المائة في قطاع الخدمات (31.4 مليون) ف10 في المائة في قطاع الصناعة (16.5 مليون)
على المستوى المحلي تشير التقديرات إلى ارتفاع نسبة عمالة الأطفال خلال السنوات الأربع الماضية لأسباب متعددة من بينها الأوضاع الاقتصادية وجائحة كورونا وتداعياتهما على الأسر.
على المستوى الوطني لا توجد إن آخر إحصاءات تم تقديمها كانت عام 2016، وقد بلغ أعداد الأطفال العاملين آن ذاك ( ) ، وحل الأطفال السوريون في المرتبة الأولى بين الأطفال العاملين في الأردن، وحل الأطفال من جنسيات أخرى في المرتبة الثانية، وجاء الأطفال الأردنيون في المرتبة الاخيرة.
لذلك نجد أنه لابد من إجراء مسح وطني شامل لمعرفة أعداد الأطفال العاملين بعد جائحة كورونا.
أسباب عمالة الأطفال
تقول والدة يامن: “بعد معاناة العائلة من صعوبة المعيشة، وقلة المعونات، وتخفيض أجر والد يامن في العمل، اضطررنا لتشغيل يامن في المخبز ليعين والده، خاصة أنه أكبر إخوته، ووجدنا أن تعلم صنعة الخبّاز سيفيده على المدى البعيد أكثر من دراسته التي غالباً لن يكملها”
تتعدد أسباب عمالة الأطفال في العالم، وبينما يُعزي الجميع سبب هذه الظاهرة إلى الفقر إلا أنه ليس السبب الوحيد التي يجب أن ننسب له هذه الظاهرة. حيث أن التفكك الأسري ووجود نظام أبوي يسمح لنفسه بتحديد مصير الطفل بما يرضي مصالحه يعدان من أبرز أسباب عمل الأطفال.
بالإضافة إلى عدم وجود تنظيم مؤسسي أو تشريعي ما يؤدي إلى عدم استقرار اقتصادي ومعيشة صعبة وصعوبة في إيجاد عمل لائق فبالتالي تتشكل لدينا ظاهرتي الفقر والبطالة واللتان تعدان من العوامل المهمة لظاهرة عمالة الأطفال ولكن ليستا الوحيدتان.
كما أن التسرب المدرسي نتيجة العنف من قبل المدرسين وافتقارهم إلى الأساليب التعليمية الإبداعية التي تحث على التفكير بدلا من التلقين يعد سبباً رئيساً لعمالة الأطفال.
عند سؤال يامن عن دراسته، أجاب بلهجته: ” تركت المدرسة بعد جائحة كورونا، عطلت المدارس والمعلمين ما كانوا يتابعوا على مجموعات الوتس أب وأنا ما عندي انترنت لأفهم الدروس لوحدي ، تراجع مستواي الدراسي فتركتها، بعدين الشغل بالمخبز أفضل عالأقل بتعلم صنعة”
الآثار الاجتماعية والاقتصادية لعمالة الأطفال
تؤدي عمالة الأطفال إلى تأثر نمو ذكاء الطفل، حيث يتعلم خبرات لا تتلاءم ومرحلته العمرية، بالاضافة إلى أنها تشعره بفقدان الأمن والكرامة الإنسانية وغياب الحرية، وتؤدي لانحرافه نحو الجريمة والعنف والعدوان.
كما أن هذه الظاهرة تجعل الطفل في تخبط بين الرغبة في اللعب وممارسة طفولته وبين تحمله المسؤولية تجاه الأسرة، وقد تكسب الطفل عادات سلبية كالتدخين، والمشروبات الروحية، وتعاطي المخدرات.ما يؤدي للكثير من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية الضارة.
ويضاف لذلك أن عمالة الأطفال تتسبب بارتفاع نسب البطالة بين البالغين وانخفاض الكفاءات البشرية، وتؤدي إلى ارتفاع نسب الجهل والأمية في المجتمع.
وترتبط عمالة الأطفال بظاهرتين اجتماعيتين يشكلان خطورة على المجتمع هما تزويج الأطفال _(كلما زاد عمل الأطفال ارتفعت نسبة تزويجهم مبكراً)_والتسول.
يعد التسول من أسوأ أشكال عمل الأطفال حيث يجعلهم عرضة للاستغلال والاعتداء وسوء المعاملة بشكل خطير ومقلق.وبحسب تقرير وزارة التنمية الاجتماعية لعام 2022 بلغت أعداد المضبوطين من المتسولين في المملكة 1298 بينهم 401 حدث.
ما العقوبة التي يطبقها القانون
يعرّف الأستاذ المحامي معتز الدهون الحدث بأنه: كل شخص ذكراً كان أو أنثى بلغ السابعة من عمره ولم يتم الثامنة عشر.
ويضيف أنه لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشر من عمره بأي صورة من الصور.
ويوضح أنه حسب المادة (74) من قانون العمل الأردني لسنة 1996 لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشر من عمره في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة وتحدد هذه الأعمال بقرارات يصدرها الوزير بعد استطلاع آراء الجهات الرسمية المختصة.
و يبين أنه في حال تم تشغيل حدث فإنه حسب المادة (75) يحظر على صاحب العمل تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات في اليوم الواحد على أن يعطى فترة راحة لا تقل عن ساعة بعد عمل أربع ساعات متصلة. كما يحظر عليه تشغيل الحدث بين الساعة الثامنة مساءً والسادسة صباحاً وفي الأعياد الدينية والعطل الرسمية وأيام العطل الأسبوعية.
ويشير الدهون إلى أنه حسب المادة (76) يعاقب صاحب العمل أو مدير المؤسسة في حال ارتكابه لأي حكم من أحكام هذا الفصل أو أي نظام أو قرار صادر بمقتضاه بغرامة لا تقل عن (300) دينار ولا تزيد عن (500) دينار، ولا يجوز للمحكمة تخفيض العقوبة عن حدها الأدنى أو الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية.
كما يعاقب صاحب العمل عن أي مخالفة يرتكبها باستخدام أي عامل بصورة جبرية أو تحت التهديد أو بالاحتيال أو بالاكراه بما في ذلك حجز وثيقة سفره بغرامة لا تقل عن (500) دينار ولا تزيد عن (1000) دينار، ويعاقب بالعقوبة ذاتها الشريك والمحرض والمتدخل في هذا الاستخدام.
الاجراءات التي اتبعتها الحكومة للمضي قدماً :
قامت وزارة العمل بإنشاء منصة “حماية” للمحافظة على حقوق العامل والتزاماته لدى صاحب العمل والحرص على استمرارية وديمومة عمل المنشآت في القطاع الخاص. وقد استحدثت الوزارة تبويباً خاص في المنصة لاستقبال شكاوى الأطفال العاملين حيث أصبح بإمكانهم تقديم شكوى حول الالانتهاكات التي يتعرضون لها .
و تطالب وزارة العمل الأردنية في ضرورة التبليغ عن حالات عمالة الأطفال ليتسنى لها إجراء الحملات التفتيشية و اتخاذ الإجراء القانوني المناسب ضد المخالفين.
كما تقترحت منظمة العمل الدولية عدة محاور كمجالات للعمل على إنهاء عمل الأطفال بحلول عام 2025، تتمثل ب:- تعزيز الالتزام القانوني للقضاء على عمل الأطفال، وتوفير العمل اللائق للبالغين والشباب في سن العمل القانوني، بالإضافة إلى الاستثمار بخطط الحماية الاجتماعية لمحاربة الفقر والبطالة، وتوسيع الوصول إلى التعليم العام المجاني الجيد كبديل منطقي لعمل الأطفال.
إن مرور الأطفال بهذه التجربة المريرة وقيامهم بأعمال شاقة و معاناتهم لهذه المصاعب في سن صغيرة يتكشف عن التمييز الواسع في عالمنا و عدم المساواة بالإضافة إلى تساهلنا وقبولنا باستغلال هذه الأرواح البريئة ، وهو أمر تقشعر له الأبدان، لذلك يتوجب علينا جميعاً التكاتف والعمل على تغيير هذا الواقع.
3 تعليقات
غير معروف
فعلاً قضية تستحق تسليط الضوء ظاهرة يجب اتعامل معها والحد منها
عمر
فعلاً قضية تستحق تسليط الضوء ظاهرة يجب اتعامل معها والحد منها
أحمد علي
فعلا موضوع مهم، ويجب توحيد الجهود للتخلص من هذه الظاهرة