أ. سعيد ذياب سليم
رعب في البحر الميت
من أكثر المخلوقات غرابة في روايات الرعب شرطي المكتبة الذي ابتكره “ستيفن كينج” في روايته التي تحمل الاسم نفسه “The library Policeman” هذا المخلوق الذي يتخذ صورا عدة و يتغذى على رعب ضحاياه ويمتصه بطرق شتى تختلف باختلاف الضحية طفلا كان أو بالغا رجلا كان أو امرأة، الرعب الذي يجثم فوق الصدر كالكابوس فيعقل اللسان و يسلب الإرادة فتستسلم الضحية بوداعة الأطفال، ربما كان ينتظرهم عند قدمي الجبل فالطبيعة أكثر غرابة !
هل كان الرعب بحجم قلوبهم أم أكبر قليلا ؟ هل كان بحجم السيل الذي غافلهم ؟ أم بحجم البحر الذي احتضنهم، أم بحجم الليل الذي أغمض جفونهم و سلب منهم الحياة؟ لا بد أنه كان كبيرا جدا لم تستوعبه طفولتهم، ربما لاذوا بمعلمتهم أمسكوا أطراف ثوبها طلبوا منها هواتفهم النقالة ليستنجدوا بآبائهم و أمهاتهم ، ربما تراءى للبعض منهم صورة بطله المفضل – سوبر مان – يحوم فوقهم يلتقطهم واحدا تلو الآخر، ففي مثل هذا الموقف تختلط الصور و الحقائق.
لم تصمد أظافرهم طويلا و هم يتشبثون بسفح الجبل، قهرهم موج السيل و صدمتهم حجارة الوادي وأغرقهم زبد البحر، لا شك أنهم ذكروا الله و توسلوا بأنبيائه و قدّيسيه فأضاء لهم ظلمتهم و فتح لهم أبواب السماء و مسّدت على رؤوسهم الملائكة.
لا بد أن الرعب كان أكبر من اللامبالاة التي استقبلت بها رسائل المدرسة و تفسيرها و الرد عليها و التي تعيش في أروقة مكاتب مسؤولينا ، ترى من سيحمل المسؤولية ؟ و من هو الحلقة الأضعف في الرواية كلها ؟ هل هو سائق الحافلة أم المقاول الذي أخطأ في حساب الكميات التي يجب أن تمول الجسر و الطريق – هل هناك عمر افتراضي للمنشأة؟ هل سنلقي المسؤولية على القضاء و القدر و سوء التوكل ؟
من منا لم يزر شاطئ البحر الميت؟ ويستلقي على ظهره عائما في “شبر مي” و يغمس جسمه في المياه الساخنة التي تنحدر من منطقة شلالات ماعين ، أول معرفتنا بها كان رحلتنا المدرسية الأولى و نحن في الصف السابع، بعدها تعددت زياراتنا و مازالت ، كانت المنطقة غير منظمة بالصورة التي هي عليها اليوم، و لا أكثر أمانا مثلما هي عليها اليوم، كنا إذا اقتربنا من دورية السير ترتفع حناجرنا بالأغاني الوطنية نداعب شرطي السير الذي يدخل إلى الحافلة يطلب التصريح من السائق و كتاب الرحلة و ينظر في أعدادنا ثم يعيد الأوراق و يحي بابتسامة أبوية ثم ننطلق بالفرحة مرة أخرى ، هل كان باص الرحلة الأخير يلبس طاقية الإخفاء فمر دون أن يراه أحد ؟
عادة ما تجري المراسلات بين المدرسة و قسم الأنشطة المسؤول قبل الرحلة بأسبوع على الأقل ، و يتم دراسة شروط الأمن و الأمان في اختيار المنطقة ونوعية الحافلة و متانتها بحيث تتفق مع الفترة الزمنية المتعارف عليها في الرحلات المدرسية على أن يرافق الرحلة أكفأ المعلمين في التعامل مع الطلبة الذين هم في سن المراهقة و الطفولة و أحملهم للمسؤولية ، فلماذا تقام دورات الدفاع المدني في المدارس ، و ينتظم عدد كبير من طلبتنا في فصيل الكشافة و الجوالة و يتنافسون في المسابقات الرياضية المحلية و العالمية .
تلتزم وزارة التربية والتعليم بالنشاط المنهجي و غير المنهجي لتنشئة جيل سليم البنية و العقل ذي نفسية سليمة يوازي أقرانه في العالم حولنا ضمن إمكانات بلدنا المتواضعة فالحياة لغة مشتركة بين أبناء هذا الكوكب، ونحن معرضون – بلا شك – للمفاجآت الطبيعية فأمطار الصحراء معروف أنها تهجم بقوة و تترك خلفها أثرا داميا نذكره سنة بعد سنة ، كل منا يعرف جزءا من الحكاية.
في زيارتك القادمة للبحر الميت تمعّن في السفح فربما ترى آثار أقدامهم الصغيرة، و أين حفرت أظافرهم ، و استمع لقلبك ، فهنا تبادل طفل و طفلة ابتسامة لم تكتمل فرحة تعارفهم، هنا ركضوا يحملون حقائبهم الصغيرة و فيها مفاجآت أمهاتهم التي لم يعرفوها بعد، و هنا انهارت دنياهم، و إن أمعنت النظر قليلا سترى حكايات بطولة رسمها الشرفاء من أبناء بلدي بين السفح و أمواج البحر رغم ما كان من رعب.