د. عبير الرحباني
في هذه المقالة لن اقتصر على ما تناوله وركز عليه جلالة الملك عبدالله الثاني في مقالته ((منصات التواصل ام التناحر الاجتماعي؟) فحسب .. بل سأتناول ايضاً ما ركز عليه جلالة الملك وما يزال فيما يتعلق بالاعلام الاردني ومواقع التواصل الاجتماعي ومفهوم الحرية وغيرها من الامور الهامة التي باتت من الضروري معالجتها وايجاد الحلول لها ..
تسألت يا جلالة الملك في مقالتك التي حملت عنوان ( منصات التواصل ام التناحر الاجتماعي ؟) .. نعم يا جلالة الملك انها منصات تواصل وتناحر في آن واحد .. فمنصات التواصل الاجتماعي.. تحولت معظمها وللاسف الى منصات للتناحر
وقبل ان ابدأ الحديث أود ان اتوقف عند جملة من بين الجمل الهامة التي تناولتها يا جلالة سيدنا والتي أسعدتنا وأفرحتنا وأدخلت الطمأنينة في نفوسنا وهي انك تقرأ وتسمع افكار المواطنين وآراهم عبر تلك المنصات الاجتماعية من دون فلترة للمعلومات او الاراء ومن دون حواجز او قيود وهذا ما يبعث بنفوسنا الطمأنينة ويشعرنا بانك قريب من خلال تلك المنصات
فمنذ ان تولى جلالة الملك عبدالله الثاني أبن الحسين سلطاته الدستورية وتسلم الراية الهاشمية الخفاقة من ملك عظيم، بدأت رحلة التحدي ومواصلة البناء… فكان النموذج الاسمى في الحرية والديمقراطية والشورى والحق، وكان النموذج الاسمى في تطوير مهنة الصحافة والاعلام، حيث أولى جلالته جُل اهتمامه بالاعلام الاردني في مختلف الجوانب .. بخاصة وان الثورة الحاصلة في وسائل الإعلام اليوم، والتي أدخلتنا بطريقة او بأخرى شئنا أم أبينا الى عالم الانترنت، احدثت تغييرات كثيرة.. لم تقتصر على الوسيلة الاعلامية فحسب، بل على الرسالة الاعلامية وعلى مرسل الرسالة وعلى مستقبل تلك الرسالة الاعلامية، بخاصة وان الاعلام عموماً قد مر بمراحل وتطورات عدة، فمن اعلام تقليدي الى اعلام الكتروني الى اعلام رقمي- الكتروني الى اعلام جديد نشهده اليوم والذي يعد الفيسبوك والهواتف الذكية من أبرز اشكاله، بحيث اثر بشكل مباشر وكبير على معايير الاعلام والمهنة الصحافية. كما ان اعلامنا الاردني اصبح يواجه تحديات الاعلام الخارجي الذي يهدف الى الاضرار بأمن الدولة واستقرارها وامنها من خلال المواقع الالكترونية ووسائل الاعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي.
كما ان اعلامنا الاردني بات يواجه تحديات الثورة الرقمية التي نتج عنها الاعلام الجديد والذي اثر بشكل كبير على الشارع الاردني، بخاصة في ثورات ما يسمى بـ “الربيع العربي”، كما ان صحافتنا الورقية تواجه تحديات الاعلام الجديد الذي انبثق عنه ( صحافة الموبايل).
ولا بد في هذا الاطار ان نتطرق الى الاعلام الجديد والذي يعتبر الفيسبوك من ابرز اشكاله وما خلفه من فوضى كبيرة بحيث اصبح منبراً وصوتاً لمن لا صوت له من خلال مواقع التواصل الاجتماعية والتي تحولت فيما بعد الى منصات للتناحر الاجتماعي، ومن هنا وانطلاقاً من إيمان جلالة الملك عبدالله الثاني بضرورة مخاطبة جميع ابناء وبنات الاردن الغالي.. جاء مقاله الذي يحمل عنوان: ( منصات التواصل ام التناحر الاجتماعي؟) ليشجع النقاش البناء حول اولويات وطننا وقضاياه الوطنية الهامة وذلك من خلال التركيز على مسألة جوهرية باتت في غاية الاهمية والخطورة في آن واحد وهي منصات التواصل الاجتماعية والتي تحولت فيما بعد الى منصات للتناحر بخاصة في ظل التطورات التكنولوجيا الرقمية
كما ركز جلالته على الاعلام الاردني كون الاعلام مرآة المجتمع والمؤثر على الرأي العام، وكونه اداة من ادوات القضاء على الفساد والشائعات والفتن، وكون الاعلام يلعب دوراً هاما في تعزيز الديمقراطية..وغيرها من الامور الاخرى.. وتمكين وسائل الاعلام وتمكينها من لعب دورها الرقابي في المجتمع في مناخ من الحرية المسؤولة، والإستقلالية، والارتقاء بالبعد المهني، والعمل بمهينة عالية، بخاصة لما يشهده اعلامنا اليوم من ثورة رقيمة وتدفق معلوماتي لا بد من حصره وتحديده واخراج الانسب والافضل للمتلقي.. والى الحاجة لاعلام مهني محترف .. بعيداً عن اختراق الخصوصيات التي يعتبرها الكثيرون انها تأتي ضمن الحرية الاعلامية.. وقدر ركز جلالته على رفع معايير الصحافيين والاعلاميين المهنية والالتزام باخلاقيات المهنة..
فمسالة الاخلاقيات من التحديات التي تواجه المهنة الصحافية والاعلامية بحيث لم تدخل بعد الى عقول الكثير من الصحافيين والاعلاميين وضمائرهم بشكل جدّي، لان المشكلة كما يقول خبراء الاعلام في الغرب “لا تأتي من الارتباط بين اخلاقيات الاعلام والفلسفة، لكنها تأتي من الارتباط بين اخلاقيات الاعلام ومدارس الفلسفة الغربية”.. ما يجعل اخلاقيات الاعلام ليست صاحلة لكل المجتمعات.
ومن التحديات التي تواجهنا ايضا هي دخول الانترنت كوسيط إعلامي من خلال الوسائل التكنولوجية الرقمية الجديدة .. كما باتت الوسائل الالكترونية – الرقمية والاعلام الجديد تلعب دور الوسيط والمثقف لاجيالنا الحالية والمستقبلية من خلال سيطرة ادواتها ووسائلها علينا، وذلك من خلال امتلاك الافراد ادوات الكترونية عديدة في الكتابة والتعبير والتأثير في الرأي العام.. الامر الذي ادى لازدياد الفوضى الاعلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي…. بحيث اصبحت تلك المنصات بكل اشكالها نافذتنا الوحيدة على العالم… وبالتالي تعاظم دور الفرد فيها.. بحيث نجده قد تحول الى مواطن صحافي من دون ان يمتلك معايير المهنة الصحافية .. كما ان اعلامنا الاردني اصبح يواجه تحديات الاعلام الخارجي الذي يهدف الى الاضرار بأمن الدولة واستقرارها وامنها من خلال المواقع الالكترونية ووسائل الاعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي.. والتي ادت الى وجود تحديات كبيرة باتت تواجهنا جميعا من حيث الثورة الرقمية وما انتجته من اعلام جديد ( الفيسبوك) والذي اثر بشكل كبير على الشارع الاردني، ابتداء من ثورات ما يسمى بالربيع العربي من حيث غسل العقول حتى الحادثة والفاجعة الاخيرة التي حصلت في منطقة البحر الميت.
وقد ركز جلالة الملك في مقالته على الاعلام الجديد وما خلفه من فوضى كبيرة بحيث اصبح منبراً وصوتاً لمن لا صوت له من خلال مواقع التواصل الاجتماعية واشهرها الفيسبوك، والتي تحولت الى مسرح للشائعات والفتن والتي تعتبر من القضايا الهامة التي ركز عليها جلالة الملك، بحيث ان تفشيها عبر الوسائل الاعلامية والتكنولوجية حولتها الى الشارع الاردني من ثم حولتها فيما بعد الى ازمة يصعب حلها بعد ان تكون قد أثرت على عقول الناس وبخاصة اصحاب العقول الضعيفة وغير المدركة للاحداث من حولها .. بحيث حذر جلالته اكثر من مرة من اغتيال الشخصية وبأن الفتنة خط احمر.
ولا شك بان الاعلام الاردني واجه وما يزال يواجه تحديات ظاهرة الارهاب ومخاطره التي تمثل تحدياً محلياً واقليمياً ودولياً.. وكيفية تصدي وسائل الاعلام الاردني لهذه الظاهرة.. وكيفية التصدي للمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تمارس ادواراً تحريضية مدمرة تهدف الى التأثير في عقول الشباب وتهديد أمن المجتمع… وكيفية التصدي للمعلومات الهدامة التي تبرز عبر منصات التواصل الاجتماعية والتي تروج للعنف وللافكار المتطرفة وبث خطاب الكراهية ولزعزة الوحدة الوطنية ومحاولة تفكيكها سواء من جهات داخلية ام خارجية ومعالجتها من خلال وضع التشريعات والقوانين.. حيث سلط جلالته الضوء على البعد الاعلامي وضرورة تفعيل الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام المختلفة في مواجهة جميع تلك التحديات… بخاصة وان المواطن تحول الى مواطن صحافي من دون ان يملك معايير المهنة الصحافية وبالتالي اصبح مالكاً لوسائله وادواته المختلفة عبر تلك المنصات.. بحيث حولته تلك المنصات من مواطن مستقبل للمعلومة الى مواطن مرسل للمعلومات ومنتج ومسوق ومحرر وناشر ومتحكم للمعلومات سواء اكانت الايجابية منها ام الهدامة للمجتمع من خلال تلك المنصات. كما ان هناك خلطاً يواجه الاعلام الاردني، وهو الخلط بين ما تحمله وسائل التواصل الاجتماعي .. وما بين الوسائل الاعلاميه.
وقد نادى جلالة الملك وما يزال الى ( حرية سقفها السماء).. واتوقف هنا عند هذه الجملة، فما قصده جلالة الملك من عبارة “حرية سقفها السماء” اي “الحرية المسؤولة” وضمن اطار من المسؤولية، من خلال الرقابة الذاتية سواء اكانت من الصحافيين والاعلاميين، ام من المواطنين انفسهم، بخاصة وان المواطن تحول الى مواطن صحافي ينشر ويسوق وينتج ويستقبل ويتحكم ويحرر ويرسل وينشر ما يريد عبر الاعلام الجديد.
كما ركز جلالة الملك على ترسيخ مبدأ النزاهة والشفافية لتسريع العملية الديمقراطية وازالة العثرات التي تعيق تقدمها وتطورها الى الامام. وعندما نتحدث عن الشفافية في الاعلام فنحن نتحدث هنا عن مبدأ الاخلاص والصدق والامانة والدقة والمكاشفة ايضا والتي ركز عليها جلالته لاعادة الثقة ما بين المواطن ووسائل الاعلام الرسمية تجاه قضايا الفساد بكل اشكالها والذي ينبغي على الاعلام ان يلعب الدور الفعال في نشرها بكل شفافية للمجتمع..
وقد ركز جلالة الملك في مقاله على تطوير مواثيق الشرف الاعلامي ومراجعة القوانين المتعلقة بالاعلام بخاصة في ظل الفوضى التي نشهدها وازدياد عدد الجرائم الالكترونية عبر الاعلام الجديد، والفوضى وسعي البعض الى تفكيك وحدتنا الوطنية وزعزة امن واستقرار الاردن .. الامر الذي يتطلب تفعيل وتطبيق قانون الجرائم الالكترونية.
كما ان جلالة الملك ابدى اهتماماً كبيراً بالاعلام الحر المهني بعيداً عن اختراق الخصوصيات التي يعتبرها الكثيرون انها تأتي ضمن الحرية الاعلامية.
وبالنسبة لمبدأ (حق الحصول الى المعلومة) والاطلاع عليها فالاردن كان من أوائل الدول العربية التي أصدرت قانون ( ضمان الحق في الحصول على المعلومات) .. ولا يعني ان تقوم اي وسيلة اعلامية.. او اي جهة.. او اي شخص بنقل أي معلومة قد تسيء لسمعة الوطن من او زعزعة الوحدة الوطنية، او الاساءة والتدخل في خصوصيات الاخرين…
وما قصده جلالته في خذا االاطار بان هناك نوعية من المعلومات يمكن ان تقوم السلطة بحظرها وذلك لتحقيق اهداف مجتمعية …. تفوق اهميتها اهمية حق وسائل الاعلام في الحصول على المعلومة ونشرها وحق الناس بمعرفتها، كالمعلومات التي يمكن ان تؤدي الى وقوع الفوضى او الجريمة او الاخلال بوحدة المجتمع وتماسكه.
فمن حق الناس الحصول على المعلومات.. لكن ليس من حقهم نشرها وفبركتها هنا وهناك بخاصة اذا لم يتم التأكد من مصادرها الموثوقة..
ولا بد لنا ان نعترف بان هناك نوع من الاعلام علينا ان نهتم به هو ( الاعلام الخارجي) والذي يقوم بتأجيج الازمة داخل المجتمع المحلي لدولة ما بطريقة خبيثة وماكره .. عدا عن بعض الاشخاص الذي يحاولون الاساءة للشخصيات وللوطن من خلال بث خطاب الكراهية مستغلين مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) وبعض المواقع الالكترونية التي تحمل اجندات وتوجهات معينة.
فما احوجنا اليوم يا جلالة الملك الى مجموعة من المحددات التي توجه الصحافيين والاعلاميين الى البحث عن نوعية المعلومات.. على ان لا تكون المعلومة مجرد سلعة اجتماعية او تجارية .. وان لا يتم نشرها بطرق عشوائية.. بل ان يتعلموا كيفية طرق اختيارها وانتقائها بكل حذر ودقة ووضوح.. وبالتالي فان المواطن مشاركاً في بناء الوطن من خلال حق الحصول على المعلومة بطريقة سليمة ونزيهه.
وفي ظل التطورات التكنولوجية .. فما احوجنا اليوم يا جلالة سيدنا الى وجود الثقافة الاعلامية والثقافة التكنولوجية .. والى (التربية الاعلامية) .. فوسائل الاعلام بمختلف اشكالها وانواعها في امس الحاجة اليوم الى فكر اخلاقي جديد.. بحيث يتم الربط بين المواثيق الاخلاقية والتعليم والتدريب وان يرتبط ذلك ببناء نظم اعلامية ترتبط فيها الحرية بالمسؤولية…
ويبقى القول انه على الرغم من التحديات والمعيقات التي تواجه الاردن بخاصة منصات التواصل التي تحولت الى منصات للتناحر الاجتماعي .. و إلا ان الاردن استطاع ان يبقى صامداً في وجه كل من تسول له نفسه تشويه صورة اردننا الغالي ، والتاثير على الرأي العام المحلي والشارع الاردني بصورة سلبية، سواء اكان هذا التأثير من جهات داخلية ام خارجية، وذلك بفضلك انت يا جلالة الملك عبدالله الثاني وقيادتك الرشيدة وسعة صدر قيادتك الحكيمة، وايضاً بفضل وعي المواطن الاردني في الحفاظ الى امن واستقرار الاردن رغم كل الشائعات والفتن التي يتم تدولها عبر وسائل الاعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، ويعود الفضل ايضاً لمهنية مؤسسات الدولة المهنية العسكرية والامنية.
فسر يا أبا الحسين رعاك الله، والاردنيون معك نمضي خلف قيادتنا الهاشمية الحكيمة مجددين العهد ان نبقى الامناء على الرسالة الاوفياء للوطن والراية.
حفظك الله ذُخراً وسنداً للوطن والامة