د. تيسير رضوان الصمادي
قراءه في خطة الحكومه
وزير التخطيط السابق \: د. تيسير رضوان الصمادي
بعد طول انتظار أعلنت الحكومة عن خطتها للعامين القادين من خلال مقطع فيديو مسجل وممنتج لرئيس الوزراء، وجاءت إماطة اللثام عن الخطة بعد 24 ساعة بالتمام والكمال من إقرار مجلس النواب لمشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، وليس بوسعنا أن نجزم أو ننفي إمكانيةوجود ارتباط معين بين الحدثين!
من حيث المبدأ قد لا يختلف إثنان على الثالوث الرئيسي للخطة الحكومية؛ أي ‘دولة القانون،ودولة الإنتاج،ودولة التكافل’، فهذه تعتبر في الأبجديات التنموية أبرز الركائز الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة. ولكن ما يثير التساؤل هوإمكانيةتطبيق هذه الخطة خلال عامين؛ خصوصا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن إعدادها، وفقط إعدادها، قد استغرق ما يزيد عن أربعة شهور! ناهيك عن أن الحكومة قد بدت، للمتابع، منذ تشكيلها غير منسجمة ومترددة وبطيئة في اتخاذ القرار، من جهة، ومسرفة في تقديم الوعود والتطمينات، من جهة أخرى! ناهيك عن أن الإجراءات والسياسات الإقتصادية الإنكماشية التي تتبناها الحكومة تلقي ظلالا من الشك على إمكانية تحقيق أهداف الخطة التي افتقرت إلى الجدول الزمني التفصيلي للتنفيذ، إضافة إلى غياب السنة المرجعية والمؤشرات اللازمة لعمليةالمتابعة والتقييم، رغم تعهّد رئيس الوزراء أمام الأردنيين بانه ‘سيكون هناك تقييم ومتابعة للأولويات، مرتبطة بمؤشّرات واضحة وقابلة للقياس’ حتى تمكّنهم من مراقبة الحكومة ومحاسبتها عليها!
والسؤال الأول المشروع الذي يطرح نفسه هنا هو هل قامت الحكومة بتقييم الأسباب المؤسسية والتمويلية التي حالت دون تنفيذ الخطط والاستراتيجيات السابقة؛ مثل رؤية الأردن 2025 واستراتيجية التحفيز الإقتصادي؟ وهل تم وضع تلك الخطط في الأدراج أم أن الخطة الجديدة، قصيرة المدى، هي جزء من تلك الخطط؟! وإذا كان الجواب بأن الخطة الجديدة هي بديل عن سابقاتها، فما هي الضمانات بأن لا تنتهي كما انتهت تلك؟! والسؤال الآخر هو كيف ستمول الحكومة مشاريع الخطة وبرامجها؛ هل سيكون ذلك من خلال الإقتراض الحارجي والداخلي، أم من المساعدات، أم من المصادر الذاتية للموازنة؟! وما هي انعكاسات ذلك على العجز المالي والدين العام؟!
وعندالغوص بعمق في الأهداف الرقميةللخطةفإن السؤال الآخر الذي لا مناص منه هو ما هي الأسس والفرضيات التي مكنت الحكومة من التوصل إلى أن الخطة ستخلق فرص عمل إضافية تصل إلى 30 ألف فرصة عمل موزعة على عدد من القطاعات الرئيسية والفرعية؟! وما هي العوامل التي ستمكن هذه القطاعات من التوسع، في وقت تعترف فيه الحكومة نفسها بأن معظم القطاعات الإقتصادية تعاني من ضعف القدرة التنافسية في ضوء ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب الإجراءات الحكومية؟! ثم ما هو العوامل التي ستؤدي إلى خلق 3 آلاف وظيفة في قطاع الإقراض مثلا؟ّ وما هي الحوافز، الضريبية والتشريعية والمؤسسية، التي ستؤدي إلى نمو الإستثمار الأجنبي بنسبة 10% في وقت أضحت فيه الإستثمارات المحلية والأجنبية تسير نحو الهجرة أو التصفية؟! أما بالنسبة للشركة الحكومية القابضة التي تنوي الحكومة تأسيسها، فإن للمراقب أن يسأل، هل فعلا هناك مدخرات لدى الغالبية العظمى من الأردنيين الذين انهكتهم الضرائب وارتفاع أسعار السلع والخدمات؟! وهل تعتقد الحكومة أن القلة من الأردنيين المقتدرين سينقلون ودائعهم من البنوك للمساهمة في شركة يديرها القطاع العام، في وقت أفرغ فيه هذا القطاع من معظم القدرات والكفاءات المتميزة، حتى امتد ضعف القدرات المؤسسية إلى أعلى المستويات في الوزارات والدوائر الحكومية! ثم لماذا خلا المحور الإقتصادي، أو دولة الإنتاج، من الحديث عن تعديل قانون الضريبة العامة على المبيعات رغم أن دولة الرئيس قد وعدنا، بعد تكليفه مباشرة، بأنه سيتم دراسة التشريعات الضريبية وتعديلها بشكل متكامل ومتزامن؟!
أما في محور دولة القانون، فكيف تخطط الحكومة أنها ستعزز هذا المحور من خلال الإصلاح السياسي وصون الحريات ومكافحة الفساد، في وقت تعتزم فيه التضييق على الحريات من خلال مشروع قانون الجرائم الألكترونية الجديد، والإستقواء على الضعاف وترك كبار الفاسدين طلقاء أو مساعدة البعض على تهريبهم، في الوقت المناسب! وما قضية مطيع وكارثة البحر الميت عنا ببعيد! وما هي التشريعات والإجراءات التي ستتقدم بها الحكومة لخلق بيئة سياسية حرة وفاعلة، تمكن الأحزاب من الوصول إلى تشكيل الحكومات من خلال صناديق الإقتراع؟!
وفيما يتعلق بمحور ‘دولة التكافل’، فمن المعروف أن الإتفاق الجديد مع البنك الدولي قد تضمن، بالإضافة إلى القروض، منحة مقدارها 100 مليون دولار ‘اشترط’ البنك أن تخصص لتوسيع مظلة صندوق المعونة الوطنية من خلال إضافة 85 ألف أسرة فقيرة، ومن هنا فقد جاء ضمن خطة الحكومة إضافة 55 ألف أسرة تحت مظلة الصندوق خلال العامين القادمين، على أن يتم استيعاب العدد المتبقي خلال عام 2021! والسؤال هنا كيف ستغطي الحكومة نفقات هذا الإجراء بعد ذلك؟ ولماذا لم تقنع البنك بتقديم هذه المساعدة لدعم مشاريع صغيرة مستدامة مدرة للدخل، طالما أنها تتحدث عن ‘دولة الإنتاج’! أما فيما يتعلق بشمول 80% من المواطنين بالتأمين الصحي، فلا بد من الإشارة إلى أن الحكومة السابقة قد اتخذت قرارا بشمول من تزيد أعمارهم عن 60 عاما بمظلة التأمين الصحي، علما بأن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات قد تم شمولهم بمظلة التأمين في وقت سابق؛ مما يعني أن هذا الهدف قد تحقق أو يكاد! أما بالنسبة لبناء 120 مدرسة جديدة، فهي خطوة مرحب فيها وفي غاية الأهمية، ولكن ما لا يقل عنها أهميه ضرورة العمل على تحسين البنية التحتية في المدارس القائمة!
خلاصة القول أننا نرحب بهذه الخطة، رغم عدم شموليتها، ورغم أن بعض أهدافها ربما أصبحت أمرا واقعا، ولكننا في ذات الوقت لسنا متفائلين بنجاح هذه الحكومة في تقديم ما وعدت به، في ضوء متابعة أدائها وكيفية تجاوبها مع التحديات والمتطلبات الوطنية، ومع ذلك فما زلنا بانتظار الجدول الزمني والمؤشرات، راجين أن لا يستغرق إعدادها ونشرها أربعة أشهر أخرى!