مصطفى الشبول
تقاعد مبكر
لقد أصبحت على قناعة تامة بأن توجه بعض الحكومات برفع سن التقاعد إلى ما بعد سن الستين هو القرار الصحيح والخطوة الصائبة بأم عينها ، لأن من يؤلف الأمثال ويخرجها، لا تأتي عبثاً ولا تخرج من فراغ ، فعندما قالوا بأن : ( قلة الشغل بتعلم التطريز ) كان مثل صائب مئة بالمئة … انظروا وراقبوا بعض المتقاعدين كيف اختلفت طباعهم وتصرفاتهم بعد أن جلسوا في بيوتهم دون عمل ، حيث يتحول هذا المتقاعد بسبب الملل والفراغ إلى مشرف ومراقب عام داخل البيت وخارجه، ويدخل ويتدخل بكل صغيرة وكبيرة، خاصة كانت أو عامة ، كما يلعب دور الناقد لكل شيء، والمعقب على كل شيء ، عدا عن البحث عن أخبار الناس ونقلها وتداولها بالصورة التي يراها هو مناسبة من زيادة و تبهير مثل ( فلانة زعلانه ، وفلان ما بزور أبوه وأمه ، واحتمال عند دار أبو فلان في خطبة عروس …) … حتى أهل بيته ينتظروا ويفرحوا متى يخرج من البيت لكثرة التعليمات والأوامر ،أما في المسجد يتدخل ويكثر الكلام والتعقيبات على قول : شَغّلوا المراوح ، افتحوا الشبابيك ، ما تقيموا الصلاة كل المساجد أقامتها … ولا يخلو يوم إلا ويتصل مع البلدية وعلى قول ( النفايات معَبّيه البلد ، والشارع الفلاني خربان وكله حفر ، والحارة الفوقة بدها مطب ، وفلان موجه اللمبة على داره ، وفلان قاعد ببني بيت بدون ترخيص ، وأبو فلان فتح محل مخالف ) …يعني منَصّب حاله وصي على البلد وبلشان بعيوب العالم (فلان طويل وفلانة قصيرة ) … بالإضافة إلى التحليلات والتعقيبات التي ينقلها بعد حضور المناسبات وبيوت العزاء ( كله انتقادات وقصف جبهات)
فنقول : (عندما طلب هشام بن عبدالملك من الأعمش بأن يكتب له مساوئ عثمان ومناقب علي ، رد الأعمش : لو كان لعثمان مساوئ أهل الأرض ما ضرتك ، ولو كان لعلي مناقب أهل الأرض ما نفعتك ، فعليك بخويصية نفسك ، وإياك أن يكون شغلك الشاغل عيوب فلان وزلاته ، فإنك لا تحاسب عليها ، وحسنات الناس لأنفسهم لا لك …فعلامة خُسران العبد انشغاله بعيوب الناس)..
هذا هيك متقاعد بعد الستين من عمره ، كيف لو انه متقاعد مبكر ، الله اعلم شو رح يعمل.