قال الفلكي الأردني عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك عماد مجاهد ان ما يعرف (بنجم سهيل) سيظهر في سماء المملكة خلال الفترة الممتدة من الرابع والعشرين وحتى الثامن والعشرين من آب الحالي.
وقال مجاهد إن ظهور هذا النجم مرتبط بشكل كبير بتحديد موعد بداية سقوط المطر بعد فصل الصيف الحار عند ظهوره فجر يوم 24 آب أغسطس تقريبا من كل عام.
وأضاف، مجاهد عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك ان العرب كانت تنتظر ظهور نجم سهيل في الأفق الجنوبي الشرقي فجرا قبل شروق الشمس بقليل، وعند ظهوره يستبشرون بسقوط أمطار أيلول المهمة وانكسار حر الصيف.
وأشار الى ان من الأمور التي زادت من شهرة نجم سهيل ظهوره بلون احمر متلألئ ووحيدا في الأفق الجنوبي كألمع النجوم التي تظهر في تلك الناحية من السماء في هذه الفترة من السنة، ولذلك جذب سهيل الشعراء الذين تغنوا به وشبهوه بنبضات قلب المحب العاشق، نتيجة لتقلب لمعانه.
ولفت إلى أن العرب أطلقت في الجاهلية عدة أسماء على سهيل مثل: الوزن، وسيم، لامع، النبيل، المجيد، من السهل الجارية، كما سمته “البشير اليماني” أو “نجم اليمن” و “سهيل اليماني” وسبب نسبته إلى اليمن كونه يطلع من جهة الجنوب ويظهر مقابلاً للنجم القطبي الشمالي.
وقال إن العرب، باديهم وحاضرهم، كانوا يستبشرون بطلوع نجم “سهيل” الذي يختفي كمعظم نجوم السماء عن الأنظار فترة من السنة ثم يعود إلى الظهور مرة أخرى تبدأ في صبيحة الرابع والعشرين من آب من كل عام، ثم يأخذ بالتقدم يوماً بعد يوم إلى أن يشاهد في وسط السماء عند منتصف الليل في نهاية كانون الأول، ومن ثم يظهر بعد غروب الشمس في الأفق الجنوبي الغربي مع نهاية آذار وبعدها يختفي تحت الأفق الجنوبي الغربي حتى يطلع من جديد في نهاية آب من كل عام.
واستطرد قائلاً، إن أبناء الجزيرة العربية وبلاد الشام منذ القدم اهتموا بمطالع النجوم والنظر فيها ومعرفة منازلها لارتباطها بحياتهم اليومية في الليل والنهار، يعرفون من خلالها موعد دخول الفصول ووقت نزول المطر ووقت البرد والحر، مضيفاً أنه خلال مواعيد شروق النجوم يعرف أهل القرى والمزارعون متى يحرثون ومتى يبذرون استعدادا لنزول المطر، ويعرف أهل البر مواسم الرعي والسفر، وأهل البحر موعد مواسم الصيد والسفر.
ولفت إلى أن العرب كانوا في الصحراء يسترشدون أيضاً بالنجم “سهيل” وهم يتوجهون صوب الجنوب ونجم “الثريا” نحو الشمال، كما يدل نجم “سهيل” على القبلة في بلاد الشام، وكانوا عند مراقبتهم طلوع سهيل يرون واحداً من نجمين معروفين في كوكبة السفينة ذاتها أحدهما “الوزن” والآخر “الحضار” يظهران قبله بأيام قليلة فيحلفون أنهم رأوا سهيلاً ولهذا فقد سميا “المحلفان” أو “المحنثان”.
وعن انكسار حدة حرارة الصيف بين مجاهد أنه بطلوع نجم “سهيل” تنكسر حدة حرارة الصيف تدريجياً، ويبدأ الجو بالاعتدال ليلاً، وبعد “سهيل” بـ 52 يوماً يدخل حساب “الوسم” وهي 52 يوماً إذا جاء فيها المطر فإنه يكون نافعاً بإذن الله للبر والبحر، أما في البر فإنه ينبت أنواعاً كثيرة من النباتات لا تنبت إلا في مطر هذا الوقت، وكذلك تنبت “الكمأة” أو “الفقع” كما هو معروف.
وقال إن نجم “سهيل” ينقسم إلى أربعة منازل تبدأ “بالطرفة” ومدتها 13يوماً ويصبح الجو لطيفاً في الليل مع بقاء الحرارة في ساعات النهار، ثم “الجبهة” وتمتد لمدة 13 يوماً وهي أول نجوم فصل الخريف ويبرد الليل ويتحسن الطقس نهاراً، تليها “الزبرة” وتستمر 13يوماً وفيها تزداد برودة الليل إلى درجة ينصح بعدم النوم تحت أديم السماء، ثم “الصرفة” وهي آخر نجوم “سهيل” وتمتد 13يوماً وسميت بذلك لانصراف الحر عند طلوعها.
وبحسب مجاهد فإن ظهور نجم “سهيل” يعتبر علامة في تحول الظروف الجوية حيث كانت العرب تقول “إذا طلع سهيل برد الليل وخيف السيل وكان للحوار الويل” لأنه يفصل عن أمه، وكان العربي إذا أراد ذلك أخذ بأذن الحوار واستقبل به سهيلاً يريه إياه ثم يحلف بألا يرضع من أمه بعد يومه، ذلك بحجة أن أيام الحر والكلفة قد انتهت وبدأت أيام البرد ولطيف الهواء، ومع بداية “سهيل” يبدأ منخفض الهند الموسمي بالتراجع جنوبا.
وبين أن لمعان نجم “سهيل” يصنف من القدر الأول وهو ثاني المع نجوم السماء بعد نجم الشعرى اليمانية الشهير الذي ورد ذكره في القرآن الكريم سورة النجم (وانه هو رب الشعرى)، حيث تقسم أقدار النجوم المرئية إلى ستة أقدار المعها النجوم من القدر الاول وأخفتها من القدر السادس. ويبعد هذا النجم عن الأرض ما يقارب 313 سنة ضوئية، وينتمي إلى كوكبة “السفينة” التي تقع في السماء الجنوبية وتتكون من 45 نجماً، وتقسم كوكبة السفينة إلى أربعة أقسام هي “الكوثل” أي مؤخرة السفينة، و”بيت الإبرة” و”الشراع” و”القاعدة” التي يقع ضمنها هذا النجم ويمكن معرفة “سهيل” على امتداد المثلث الذي رأسه “يد الجوزاء” في مجموعة الصياد، وضلعاه “الشعرى اليمانية” و “الشعرى الشامية” نجده في بقعة خالية من النجوم اللامعة.
وحول تسمية النجوم الجنوبية والشمالية، وتسمية النجوم والبروج التي تقع إلى جنوب خط الاستواء بالنجوم أو البروج “الجنوبية” أو “اليمانية” قال مجاهد، إنها سميت بذلك نسبة إلى اليمن كما سماها عرب الجزيرة العربية في الماضي لأن اليمن تقع إلى الجنوب منهم, والنجوم التي تقع إلى الشمال من خط الاستواء السماوي تسمى النجوم “الشمالية” أو “الشامية” نسبة إلى بلاد الشام التي تقع إلى شمال الجزيرة العربية، وان النجوم الجنوبية ترى من نصف الكرة الشمالي قريبة من الأفق الجنوبي للسماء فيُرى نجم “سهيل” في بلاد الشام والعراق وشمال الجزيرة العربية ومصر في الأفق الجنوبي وباتجاه الجنوب تماماً، بينما لا يرى نجم “سهيل” من تركيا أو أوروبا، ويشاهد في الصومال أو استراليا في كبد السماء.
وقال إن وكالة الفضاء الاميركية (ناسا) اعتمدت على نجم سهيل كمرجعية في الملاحة الفضائية للمركبات التي خرجت من حدود المجموعة الشمسية باتجاه الفضاء المجري بين النجوم، حيث يمكن اعتماد المركبات الفضائية على موقع نجم سهيل في المجرة لتحديد ومعرفة مكان المجموعة الشمسية ومكان المركبات نفسها أيضا داخل مجرة درب التبانة.
واختتم مجاهد بأن الفلك الحديث أطلق اسم سهيل على نجم باهت في كوكبة السفينة وهو غير نجم سهيل الذي عرفته العرب تاريخيا، وأطلقوا اسم “كانوباس” على نجم سهيل الأصلي اللامع والشهير، وكانوب اسم اسطوري أطلق على بلدة مصرية قديمة تقع بجانب نهر النيل.