د.منصور محمد الهزايمة
العلاقات الأردنية القطرية: لم لا يعود السفراء؟
تمر العلاقات القطرية الأردنية هذه الأيام في طور غريب من النادر أن تجده في العلاقات الدولية، ففي الوقت الذي يتبادل فيه البلدان الشقيقان الزيارات على كل المستويات، والتعاون في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والعمالية، نجد أن الحالة الدبلوماسية بينهما تصر حتى اللحظة على عدم عودة العلاقات على مستوى السفراء مما يستثير حالةً من الاستياء والاستغراب، خاصة على الصعيد الشعبي في الأردن، ومن المفارقات التي تذكر حول هذه العلاقة، أن الشيخ تميم بعث رسالة تهنئة للملك عبد الله بمناسبة اليوم الوطني في ذات اليوم الذي عاد فيه السفير القطري من عمان إلى الدوحة.
هذا الموقف دفع نخبا رسمية وشعبية، للمطالبة بتغيير هذا الواقع وبدا أن الضغوط على الحكومة الأردنية لإعادة السفراء تتزايد يوما بعد يوم، خاصةً أن خفض العلاقات بدأ بطلب من الجانب الأردني، وقوبل بتفهم وتقدير من الجانب القطري، بل قامت قطر بتقديم مبادرات تُرجمت فورا على أرض الواقع لخفض منسوب التوتر في الأردن، قابلها الشعب الأردني بكل احترام وتقدير، لكن -لسوء الحظ- أن السياسة الخارجية للدول هي نتاج تشابك الظروف الدولية والإقليمية، المتداخلة مع الخصوصية المحلية، فالأردن كان على الدوام ضحية الجغرافيا، حيث يقبع على أطول حدود مقابل المشروع الصهيوني، وكان قدره أيضا أن يعلق في أزمات الإقليم، خاصة بين جيران متناقضين ايدولوجيا، بحيث لا ينفع معهم الحياد أو الانحياز، لذلك كانت السياسة الخارجية لديه تنزع للوسطية أو التوسط، مدفوعا بحاجته إلى تضامن الجميع من أجل الصمود في وجه الأزمات والتقلبات، وأخطرها وأدومها انغماسه بشكل مباشر في الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية حيث حمل من توابعها مالم يتحمله طرف عربي أخر.
هذا الموقف الاستثنائي في العلاقة بين الطرفين لم ينجم عن تناقض مصالح، أو اختلاف وجهات نظر حول قضايا بعينها، بقدر ما كانت هذه العلاقة الأخوية ضحية النظام العربي الإقليمي الخاضع للممارسات المنزوع منها دسم السياسة ومصلحة الأمة. الطرفان كلاهما يخضعان لنظام عربي إقليمي عقيم، تقوم السياسة فيه على التماحك، ولا يمكن لأحد فيه أن يبقى على الحياد، بل قد يُجر إلى الانحياز، الذي يوجب خسارة طرف من أطراف الأزمة أو الخصومة، وقد فقد هذا النظام الفاعلية والقدرة على التأثير في قضايا الإقليم، مما سمح لقوى أو لاعبين آخرين من داخل الإقليم أو خارجه أن يحكموا المصير. هذا النظام العربي الرسمي بات اليوم جسدا بلا روح، تتزايد فيه الاستقطابات التي لا تدوم، بل تتغير خريطة التحالفات فيه لتبدو الأمور كما الحرب الباردة بين مكوناته، مما جعل ذلك مكلفا للأمة والإقليم. في هذا النظام أيضا تتناوب العلاقات ما بين التصارع والتضامن، حيث لا يمر عقد من الزمن الا وتتخلله أزمة أو أكثر، وما أن تفجرت الأزمة الخليجية الأخيرة بين الأشقاء حتى بدا أن قطر تعاني مشاكل الجغرافيا كما الأردن، مما فرض عليها حصارا لا أخلاقيا، جعل من الطرفين ضحية أزمة جديدة، صنعتها العنجهية وعدم الإحساس بالمسئولية، وفرضها نظام إقليمي ينشغل بنفسه، ويترك الآخرين يديرون قواعد اللعبة.
اليوم تحظى القيادة في البلدين بشكل استثنائي بمساندة شعبية كبيرة لمواقفهما من شتى القضايا القومية، بل وتوافقهما في قراءة الواقع الإقليمي والدولي بصورة متقاربة، وخاصة ما يتعلق بالمشاريع التصفوية التي تحاك خارج الإقليم، وتسعى لفرض الحلول دون حساب لمصالح العرب، ولم يعد مجديا التمسك بعلاقات وتحالفات لا تغني ولا تسمن من جوع، وحيث يتضح أن هناك أطرافا لها أولويات لا يهم معها التنازل عن ثوابت الأمة، لصالح مشاريع أخرى لا تعنى بالهم القومي أو المصالح العليا للأمة، لذلك بات من الطبيعي الاستجابة للرغبة الشعبية العارمة بإعادة العلاقات الأخوية إلى أعلى درجات التمثيل والتنسيق.