كتب :خالد أبو الخير
اتزانه ورباطة جأشه ميزة لا تخطئها عين، تطغى صفة التربوي على أدائه، ويمتاز بالصبر والجلد وطول البال.
يعد رمزاً إخوانياً وسطياً، غير أن خطوطه كانت دائماً مفتوحة على باقي التيارات داخل الجماعة. يؤمن بالديمقراطية والتعددية والحوار الذي يفضي الى نتائج.
ولد عبد اللطيف عربيات الذي انتقل الى جوار ربه يوم الجمعة في إباء جبال السلط في العام 1933، ولطالما تعثر في صباه بالتربة الخصبة لبساتين عائلته وكرومها، وهو يروم مكمناً يطل منه على ما وراء نهر الأردن حيث تهفو القلوب إلى بيت المقدس.
ما زالت في بال الفتى الغض صور انفجارات القذائف وطلقات التنوير في سماء فلسطين غداة حرب 1948.
درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدرسة السلط، ومنها حاز المترك العام 1954.
«كانت المدرسة تشهد دفقاً كبيراً للأفكار والتيارات السياسية، فهناك الإخوان والشيوعيون والبعثيون بحكم توجهات المعلمين الذين «قدموا من جامعات خارج الاردن»، وأبرزهم عيسى مدانات وابراهيم الطوال شيوعيان، إبراهيم العابد وعلي خريس بعثيان، وغيرهم».
مال للتدين بحكم النشأة، وقادته خطاه وزملاء له إلى نادي الإخوان المسلمين حيث أمكنهم لعب الشطرنج والتنس وألعاب أخرى، وكان الخيار الآخر نادي الاتحاد الذي يسيطر عليه القوميون العرب. تدريجياً انتظم في الجماعة. من المفارقة أن من شرح له ورهط من زملائه فكر وأهداف الإخوان كان تقي الدين النبهاني الذي انشق عن الجماعة في ما بعد، وأسس حزب التحرير.
هو وثلة من طلاب ثانوية السلط شدوا الرحال في كل عام الى بيت المقدس لإحياء ليلة السابع والعشرين من شهر رجب «ذكرى الإسراء والمعراج». بعدئذ دأب مع زملاء له على حضور المؤتمر الإسلامي العام الذي كان ينعقد كل عام بحضور علماء العالم الإسلامي، كمؤتمر اسلامي لبيت المقدس يجري فيه تدارس الحفاظ على المقدسات الاسلامية فيها، ومناقشة قضايا المسلمين بشكل عام.
«المناسبة كانت عظيمة الأثر، فقد كنا على اطلاع، نلتقي علماء العالم الإسلامي من أمثال: عبد الحكيم عابدين، سعيد رمضان، سيد قطب رحمة الله عليه الذي جاء سنة 1953، وبشير الإبراهيمي، والفضيل الوثلاني، ومحمد ناصر المودوي وآخرين، نستمع لهم ونناقشهم وندعوهم الى زيارة الأردن، وقد وفد عدد منهم واحتفينا بهم». قال المرحوم عربيات في لقاء سابق.
شد الرحال الى بغداد دارساً في جامعتها، وحاز درجة البكالوريوس في الهندسة الزراعية عام 1958.
عمل في سلك التعليم بعيد عودته، ثم مديرا للمناهج في الوزارة، ومدير عام دائرة التربية والتعليم لمحافظة العاصمة 1981-1982، الى أن حل أميناً عاماً للوزارة منذ العام 1982.
حاز إبان عمله في التربية بعثة لدراسة الماجستير من University of Texas A&M العام 1967 والدكتوراة في التربية University of Texas A&M العام 1974.
اُتهم من خصومه بأنه عمل مع زميله في الحركة الإسلامية المرحوم إسحق الفرحان على إلحاق وزارة التربية والتعليم بالإسلام السياسي، في حين يرى آخرون «أن طبيعة الأردن المحافظة جعلت الاختلاف ليس كبيراً بين عربيات والفرحان وآخرين من مدارس فكرية مختلفة تولوا مسؤولية الوزارة، فقد كانا من أبناء الوزارة ولم يهبطا عليها بالمظلة».
وهناك مسؤولون آخرون تولوا الوزارة من ذوي التوجهات الفكرية المخالفة يستشهدون على أهمية العمل الذي قام به عربيات والفرحان، وآخرون، بتقرير البنك الدولي عن التعليم في أربعين عاماً، الصادر العام 2007 واحتل به الأردن المركز الأول بين بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أبعد عن الوزارة بمجيء حكومة زيد الرفاعي الثانية العام 1985، في مستهل الأزمة مع الاخوان «التي شهدت إبعاد العديد من أعضاء الجماعة، فضلاً عن تضييق أمني عليهم»، بحسب مقرب من الجماعة يرى أن «القلق من الإخوان تطور وتعاظم مع أحداث العام 1989 وعودة الديمقراطية، لكن عربيات والمرحوم أحمد قطيش الأزايدة لعبا دوراً تطمينياً».
اختير عضواً في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني، وانتخب نائباً عام 1989 وأصبح رئيساً للمجلس منذ العام 1990، ولثلاث دورات متتالية. تميزت فترة رئاسته بمرور المنطقة بأحداث جسام: حرب الخليج الأولى ومؤتمر مدريد. كان من ضمن القيادات الإخوانية التي تفاوضت مع مضر بدران على الدخول في حكومته بعد وضعهم شروطهم الـ 14 الشهيرة.
يعد عربيات أول إسلامي يصل الى رئاسة برلمان عربي، تلاه عبد الله الأحمر في اليمن.
ينقل عن النائب في المجلس الحادي عشر ورئيس اللجنة القانونية فارس النابلسي قوله: «إن عربيات اثخن اللجنة بمشاريع القوانين التي برسم التشريع، حتى اشتكى له من زخم العمل»، فقال عربيات: «هذه المرحلة لن تتكرر، علينا أن ننجز ما نستطيع من القوانين التي هي عماد الديمقراطية».
أنجز المجلس أنذاك قوانين: «محكمة العدل العليا، وإلغاء الأحكام العرفية، والأحزاب، والمطبوعات والنشر وغيرها».
وقد صدق حدس عربيات، فمع مجيء حكومة عبد السلام المجالي الأولى 1993، جرى حل المجلس، وسمع رئيسه بخبر الحل من الإذاعة، كما أخبرني في حوار صحفي لاحق، ففضل أن يعود الى بيته بسيارته الخاصة بدلاً من سيارة رئيس المجلس.
انتخب أميناً عاماً لحزب جبهة العمل الإسلامي قبل ان يتفرغ لمناصب اجتماعية وبيئية.
عد شخصية ذات وزن اعتباري تحظى باحترام الدولة، مثلما هو حاله داخل الجماعة. يعزو مقربون استحداث منصب رئاسة مجلس الشورى الذي احتله لفترة، الى هذا الاحترام والتقدير لشخصه.
ترشح في انتخابات 1993 ولم يحالفه الحظ، وجادل بأن الانتخابات زورت لإسقاطه، وأن اسمه قد شطب بعد إعلان نجاحه.
حل عضوا في مجلس الأعيان 1993 – 1997، ومنحه الراحل الحسين لقب معالي رغم عدم استلامه لأي حقيبة وزارية.
فضلاً عن شغفه بالسياسة، تولى عربيات رئاسة العديد من الجمعيات الخيرية والثقافية والاجتماعية، وعضوية العشرات من مؤسسات النفع العام كمؤسسة مكافحة التصحر وجمعية العفاف.
شارك في مئات المؤتمرات المحلية والعالمية، وقدم خلالها عشرات البحوث وأوراق العمل، وأصدر العديد من المؤلفات والكتب المنشورة.
عيّنه الملك عبدالله الثاني عضواً في اللجنة الملكية للأجندة الوطنية العام 2005. ولاحظ زميل له في الأجندة «ليبرالي التوجه»، لدى مناقشة قضايا المرأة، أن عربيات وخلافاً لما هو متوقع متقدم بطروحاته.
يذكر هذا الزميل أنه ذهب وصافحه قائلاً له: «أنت رجل تحب أمك وزوجتك وبناتك وشقيقاتك، وهو موقف ينم على حب عميق وإدراك واسعين لدور المرأة».
ترشح مجدداً لانتخابات 2007 ولم يحالفه الحظ، يقول: «ترشحت دون رغبتي وحمدت الله أني لم أنجح، وما جرى فيها غني عن التعريف».
«عندما ترى الكثيرين ممن حازوا مناصب، تجد عربيات على خلاف منهم، فهو لم ينل نصيباً من الثراء، وبقي إنساناً بسيطاً منتمياً الى الطبقة التي جاء منها».. يصفه مقرب منه.
ينأى بنفسه عن التصارع، وقال مرة: «أنا موجود وسط المعمعة»، لكنه كان يرى الاحداث بعين الحكيم ويتروى..
كتبت مرة: الوقت.. ما يحتاجه عربيات ليجلس ويكتب عن تجربته، لكن مشاغله بلا حد.. فيظل يمني النفس بوقت يلي.
رحمه الله فقد توفي اثناء تواجده في مسجد.. بدأ منه وانتهى