منذ زمنٍ، أوصى الأردنيّ ابنه بحروفٍ ثلاثة: يا ولدي، احتفظ بها، أينما ذهبت وحيثما
حللت، واقبض عليها لتكون جزءاً منك، بل من روحك العذبة القويّة التي لا تموت!).
يكمنُ سرُّ الحروف الثلاثة العجيبة في أنّها إذا جرت على الألسنة العقيمات أحالتها
دفّاقةً، وإذا رافقت غائباً عاد يرفل بالألق ويتكلل بكلّ هذا النجاح، بل لقد باتت تميمةً
تجلب الحظّ، ودعاءً يقرأه المحبّون في خطوط قهوة الصباح، الخطوط التي هي
نجاحاتُ وطنٍ، ومسيرةُ بلدٍ كبير، يسمّى (الأردن).
لم تكن (الْ ر أْ ي) مجرّد صحيفةٍ من ورق، أو وعاءً تُنقلُ خلاله الأخبار، أو شيئاً يوضع على
الرّف أو تُكمّل به زينة المكان، فالصحيفة التي وُلدت من رحم السبعينيات السياسيّ
الصعب، ومن حساسيّة الموقف العصيب الأشدّ، قُدّر لها أن تظلّ الابنة البارّة الوفيّة،
التي يتوقّد في شرايينها الجمر، وتغلي في عروق أبنائها الحميّة والصدق، في كلّ
مفصلٍ من مفاصل هذا البلد العربيّ الأصيل.
كان عام سبعةٍ وستين مؤلماً بكلّ تداعياته النفسيّة لاحتلال ذلك الجُزء الوادع الحبيب
غربيّ النهر، وكان لا بدّ من خطابٍ صحافيٍّ يرتقي إلى مستوى هذه الأحداث الجسام
في المنطقة، فكانت (المؤسسة الصحفيّة الأردنيّة)، وكانت فرحة العاملين، بل فرحة
الأردنيين جميعهم، والرأي تزهو بثوبها القشيب في الوطن، مولوداً تقام له الاحتفالات
في الثاني من تموز من عام واحدٍ وسبعين وتسعمئةٍ وألف، لتعمّ رؤية الحسين الباني
طيّب االله ثراه، فتشهد الصحيفة على إنجازات الأردنّ وهويّته ووجوده وثوابته،
واجتراحاته السياسيّة الرائدة في فضائه العربي وقيَمِه الإنسانيّة العالميّة النبيلة،
فيكون المشوار.
(صحيفة الوطن والمواطن)… المصداقيّة العالية… منارة الفكر وبيت المثقفين
والخطاب الأردنيّ القوميّ في الدفاع عن فلسطين وكلّ قضايا العرب، بل الصالون
السياسيّ الفخم في استشراف الأحداث وقراءة الظروف، حتى لقد قيل إنّ خبراً لا يصدر
من الرأي وعبر صفحاتها الغراء يظلّ مثار تحوّطٍ وانتظار، وهو ما يؤكّد عِظَم هذه
الصحيفة التي وقفت على أكثر من خمسين عاماً من النجاح المحلي والعربي
والعالمي، وخرّجت في أسطرها الواثقة الصادقة للوطن والعالم الوزراء والمفكرين
والاقتصاديين وأصحاب الخبرة والعلماء.
وإذ تتربع الرأي اليوم على عرش الصحافة الأردنيّة بامتياز، لتكون الصحيفة الوحيدة في
العالم العربي التي جسّدت الشراكة الحقيقية بين الشعب والحكومة من خلال كونها
شركةً مساهمةً عامّة، فإنّ توافرها على وسام الاستقلال من الدرجة الأولى منتصف
سبعينات القرن الماضي، ورفدها آنذاك بصحيفة الجوردن تايمز الناطقة بالإنجليزية
يؤهلها لأن تكون الوجه الحضاريّ المشرق الناصع في تعريف العالم بطموحات الأردنّ
وموثوقيّته في الاستشراف السياسي وقراءته الأحداث.
وكما يسافر القراء على مدار الساعة في صفحات الرأي متزودين بتحليلاتها الموضوعيّة
وأخبارها الصادقة غير المنحازة إلا للحق والمواطنة وقيم العدل والبناء، فإنّ ارتياداً
محلياً وعربياً غير مسبوق عبر موقعها الالكترونيّ المواكب، يظهر ما للرأي من مكانةٍ
عند المواطن وصانع القرار على السواء.
الرأي التي تتوافر على أحدث الدراسات وورشات العمل ومجموعة الندوات السياسية
والاقتصاديّة والدينية والاجتماعية والأدبيّة، بحكم مركز الدراسات الاستراتيجية الذي
تسمّى باسمها واحةً للفكر والتنوير،..ما تزال مكتبتها الغنّاء وإصدارات مركزها تسدّ
ثغرةً كبيرةً في عالم المعرفة والبحوث والدراسات، وما تزال (مطبخاً) للقرار السياسيّ
ومصدراً يستقي منه المحبّون من قرّائها والأوفياء لمشوارها كلّ معلومةٍ متأنّية أو بتّاً
في مسألة أو رأياً توافقياً أو اجتهاديّاً حيال هذه القضيّة أو ذاك الموضوع.
الرأي .. الصحيفة التي ما تزال تتبوأ المرتبة الأولى في توزيعها وعدد قرائها، وفق أحدث
الدراسات والاستطلاعات، هي الصحيفة التي ما تزال أيضاً الأكثر موثوقيّةً في الخبر
السياسيّ المحلي والعربي والعالمي، بسبب خبرتها المتراكمة وعراقتها وكفاءة
طاقمها وانتشاره الواسع، عدا ميزاتها الكثيرة في المهنيّة واحترامها الحريّات
ومواكبتها الموضوعيّة، واحترامها حرمة الحياة الخاصّة للمواطنين، وأمانتها على
مقوّمات العمل الصحفي المهني الشريف المنزّه عن أيّ غرضٍ، بل وترفعها عن أيّ غمزٍ
إقليميٍّ أو همسٍ طائفيٍّ أو انحيازٍ جهويٍّ أو فئويٍّ أو حزبي.
إنّها الرأي .. الصحيفة العامّة الشّاملة.. والمطبوعة اليومية السياسيّة،.. بانوراما تظلّ
غاليةً في أيدي قرائها وفي كلّ بيت، لتلبيتها أذواق المثقفين والرياضيين
والاقتصاديين والفنانين وأخبار المجتمع والعلوم والتكنولوجيا، بدوائرها الرئيسية
وملاحقها التي لا يكاد يخلو منها بيت.
الصحيفة التي يطالعها الأردنيون والعرب والعالم ما تزال يختزل كلُّ سطرٍ من أسطرها
عَرق فريقٍ كبير من الصحفيين والمندوبين الذين يزوّدون الأقسام العاملة بالأخبار
المتخصصة وفق تكامليّة في التحرير وعمليات دؤوبة انتظمت في دوائر وأقسام
واصلت الليل بالنهار لتزهو الرأي في عيون أبنائها والمحبين.
على المحبّة ذاتها التي تورّدت بها أحلامهم، ينطلق مندوبو الرأي يسابقون خيوط
الفجر إلى الميدان، حيث التقاط الأخبار وتغطية الأمسيات والندوات والمؤتمرات
ومكاشفة المسؤولين وتلمّس احتياجات المواطنين في مكان الحدث، لاستجلاء
الحقائق ووضع صناع القرار بالهموم العامّة في جوّ من الصراحة والوضوح.
تشتمل الرأي على دوائر المحليّات، والمندوبين، والمحافظات، والتحقيقات، والثقافة،
والاقتصاد، والرياضة، والعربي، والدولي، والشباب، والرأي الالكتروني، ومركز الرأي
للدراسات، ومركز التدريب، وصحيفة الجوردن تايمز، إذ تتغذى هذه المديريات والأقسام
بالأخبار والتحليلات وتتصل بالوكالات المحليّة والعربيّة والعالميّة وعلى مدار السّاعة لئلا
يفوت على القرّاء ما يطالعونه في الصحيفة التي تصل في أوقات الذروة إلى ما يزيد
على مئة صفحة، يجد المواطنون والشركات والوزارات والضيوف فيها فرصةً للإعلان عن
المناسبات والتواصل الاجتماعي، ما يجعل دائرة الإعلانات في الرأي في حركةٍ دائمة
ومحطّ الأنظار، مما يسهم في رفد إيرادات الصحيفة التي يصل عدد موظفيها إلى
الأربعمئة وثمانين موظفاً ما بين إداريٍّ وعامل في أقسام الصحافة والتحرير.
وبكلّ انسيابٍ وتلقائيّة تصبح كلّ دائرة من دوائر الرأي غرفة عمليات مصغّرة تتسع في
نسقٍ إداريٍّ إنساني، حيث تخضع الصفحات بحسب اختصاصها لعمليات الصفّ والإخراج
الفنّي والتصميم والجرافيك ومعالجة الصور والتدقيق اللاحق في تحرير الأخبار ولغتها
ومحتوياتها باعتماد تراتبيّة وتسلسلٍ دقيق ومرجعيات اكتسبت خبرتها في
اشتغالها الطويل بهذه المهنة عبر مشوار (أم الصحائف) في الأردن جريدة الرأي.
تطبع الرأي وتصمّم على أحدث الآلات وأدقها بجودة صنعت لها اسماً في تاريخ الطباعة
والتصميم، في مطبعة ضخمة مستقلّة تعدّ أنموذجاً عالي الجودة في الشرق الأوسط،
استثمرت بها الصحيفة لتظلّ المواكبةُ والتقدّمُ والتطويرُ عناوينَ للرأي ومحلّ اقتداء
هنا وهناك.
ومع أنّ عالم التواصل الالكتروني(الديجيتال) اليوم غزا الجسم الإعلامي الورقي بتسارعٍ
كبير، إلا أنّ الرأي ظلّت تدخل كلّ بيت، مثلما لا يستغني عنها مكتب مسؤول أو صانع
قرار، من المهتمين والكتاب ورجال السياسة والاقتصاد.
أجيالٌ تتلوها أجيال، ظلّت تتعاقب على الرأي، لتحمل لها أعذب الذكريات، فمنذ أن
حملت هذه الصحيفة النَّفَس الوطني لمؤسسها الشهيد وصفي التل، وحتى اليوم،
والرأي أكبر من منطق المال وحسابات الربح والخسارة، إذ هي صحيفة الوطن
الأصيلة،..على أبوابها دائماً تتكسر كلّ الهموم، وفي مكاتبها العائليّة المميزة تظلّ
الرأي محجّاً للأدباء والسياسيين والاقتصاديين والمفكرين، والشعراء.
الرأي .. التي صاغ لها الشعراء والعشّاق أعظم القصائد والإبداعات، تظلّ تزهو لتعانق
الأحبة والمؤمنين بدورها الكبير، في ذكرى ميلادها الميمون، الثامن والأربعين ولسان
حالهم يقول:
(صحيفة الرأي نبضُ العينِ والمُقَلُ// وإنّها الواحة العذراءُ.. والأملُ// وإن نأت عن ضميري
ربع ثانيةٍ// أقول في الأرض أو في قطبها خللُ// والعينُ بين سطور الرأي نُزهتها//
ونُزهة العين تروي وهي تحتفل// عينٌ تسافر فيها وهي عاشقةٌ// وبين أسطرها
يحلو لها الغزلُ// وإنها الرأيُ ملك العاملين.. وفي// عيونهم فرحةٌ تشدو بما عملوا)
ابراهيم السواعير