لا يختلف اثنان على أن الإعلام الأردني يعدّ حالة مثالية للخطاب الإعلامي المتزن محليا واقليميا وحتى دوليا، فلم يكن يوما مخالفا للثوابت الوطنية الأردنية أو شاذا عن مسيرة التنمية، إنما كان مكمّلا لذلك، وداعما لكل ما هو لصالح الوطن وصون المصلحة الوطنية، بمهنية عالية وتطوّر يتماشى مع متطلبات المراحل الزمنية كافة التي مرّ بها حتى اللحظة.
ولم يكن ما وصل له الإعلام حتى اللحظة، صنيعة الصدفة، إنما سار بخطوات متعددة، بدرب طويل، مسجلا على مدى سنين انجازات ضخمة، بدأت بخطوات بسيطة متواضعة لتشكل فيما بعد حالة إعلامية مختلفة، نقلت دوما خطابا متزنا بكلمات محافظة على وحدة الأمّة وصون المصلحة الوطنية الأردنية، ليكون دوما أداة من أدوات البناء، والتنمية، والإصلاح، تحديدا في تركزيه على مبدأ التعامل مع الأحداث بحرية مسؤولة ومهنية عالية.
وفي قراءة لواقع الإعلام بعهد الإستقلال، والأردن يحتفل به اليوم، يمكن أن نرى بوضوح أنه رغم وقوع المملكة في منطقة تتعدد اضطراباتها وأزماتها، إلاّ أن حالة الإعلام بقيت تحكي بلسان الأردنيين، لغة وطنية أردنية عربية، تعي وتدرك أن الكلمة أداة للبناء في حال كانت مهنية، وللهدم في حال كانت سلبية بعيدة عن الصواب والحقيقة، فكانت الكلمة الإعلامية الأردنية كلمة النور في زمن الظلام.
بخطواته المتواضعة بمسيرة النجاح، بدأ الإعلام الأردني خطوته الأولى في جريدة «القبلة» لتكون أول جريدة عربية هاشمية صدرت في الحجاز مطلع القرن الماضي، فكانت صوت العالم والمرحلة قبل مئة عام أصدرت من مكة المكرمة في الخامس عشر من آب عام 1916، وكانت تطبع في المطبعة الحكومية (الهاشمية) الأميرية الواقعة في مكة المكرمة وكان الشيخ محب الدين الخطيب أول مسؤول لها ثم خلفه حسين الصبان، في حين كان الشريف حسين يشارك في تدبيج مقالات سياسية وأدبية ويوقعها بإسم مستعار، وغالبا ما يكون «ابن جلا»، كما عرف أيضا أن الملك حسين نفسه كان يهتم اهتماما كبيرا بما ينشر في القبلة ويشرف على تحريرها اشرافا كاملا فلا تصدر الجريدة إلاّ بعد عرضها عليه قبل طبعها وكان يحرر أو يملي كثيرا من الأخبار والتعليقات السياسية وكان يحذف بعض المواد ويعيد تحريرها بنفسه، وكانت الصحيفة كل اثنين وخميس.
وسار الإعلام المحلي بعد ذلك بخطى ثابتة نحو التطوّر، والإنجاز، بدعم هاشمي متواصل، لتصبح الصحف مطبوعات تصدر يوميا، بعدما كانت خطوتها الأولى يومي الإثنين والخميس، لتنمو هذه التجربة، والصحيفة الأم، مؤسسة لحالة إعلامية فريدة كبرت ونمت لتصبح اليوم مدرسة الإعلام الأردني نموذجا خاصا مختلفا، بمهنية وحرفية.
ومر تاريخ الإعلام المحلي خلال سنين الإستقلال بالكثير من محطات التطور سواء كان على الصعيد الفني أم المهني أم التشريعي، بانيا هرما صلبا لم يقع يوما فريسة ظروف أيا كانت، كما لم يغيّر من مبادئه التي هي من مبادئ الدولة الأردنية، يسير في دربه بثقة الأداء وحرفية المهنة وثبات المواقف وفق استراتيجيات واضحة.
جلالة الملك عبد الله الثاني، أكد منذ توليه مهامه الدستورية، أن الحرية سقفها السماء، لتكون الإرادة السياسية العليا بهذا السياق، نهج عمل، ومنارة أداء، وصولا لخطاب إعلامي ناضج، ومميّز، مبني على أسس مهنية، وتشريعية، وفنية، أحدث فارقا تطويريا، ويمكن السير بها نحو مزيد من التطور والتنمية وتحديث قطاعات الإعلام كافة، مقروءة ومسموعة ومرئية والكترونية.
تطورات عديدة شهدها الإعلام في مسيرة نهضوية ضخمة، دعمت خلالها الحكومة وسائل الإعلام، والحريات الصحفية المسؤولة، واتجهت أيضا لجهة التربية الإعلامية، من خلال جعل هذا الأمر منهاجا يدرّس للطلبة، وأوجدت منصات لمواجهة الشائعات بالحقائق والمعلومات الصحيحة، وعززت من شبكة الناطقين الإعلاميين وعملت وتعمل على تدريب كافة الناطقين وتمكينهم.
كما عملت الحكومة على تحديث حزمة كبيرة من التشريعات الإعلامية بشكل ينسجم مع توجيهات جلالة الملك وضمن رؤية التوازن بين الحرية والمسؤولية، وتعمل على توفير المعلومة سواء كان من خلال الطاقم الحكومي أو الناطقين الإعلاميين للوزارات، أو من خلال لقاءات ومؤتمرات صحفية تنظمها بين الحين والآخر، حرصا منها على توفير المعلومة.
ويمكن التأكيد على أن الإعلام المحلي بات مصدر معلومة أساسي للحدث المحلي، إلى جانب حضوره على خارطة الإعلام عربيا ودوليا من خلال الكفاءات الأردنية التي تستعين بها غالبية وسائل الإعلام بالخارج.
وفي جانب الإستثمار، قطع الإعلام شوطا واسعا في هذا المجال، إذ تم فتح المجال أمام المستثمرين لإنشاء محطات البث الإذاعي والتلفزيوني دون قيود، ونجم عن ذلك تضاعف أعداد المحطّات التلفزيونيّة والإذاعية في الأردن، وهذا بالطبع وفر مئات فرص العمل لمئات المواطنين، كما تم توفير الظروف المناسبة لإنشاء المواقع الإلكترونيّة الإخبارية وتنظيم عملها وفق أطر مؤسسية.
وفي نظرة شاملة لواقع الإعلام، يمكن ان نلحظ أنه يسير في الطريق الصحيح، نحو المزيد من الإنجازات، وتحقيق الأفضل، رغم صعوبات تواجهه بين الحين والآخر، لكن الخطوة تسير على نهج واضح، ونموذجي، وتستمر خطى الإنجاز الإعلامي، دون توقف عند حد معين، إنما تمضي وعلى كافة الإتجاهات، تنظيميا، وتشريعيا، وفنيا، لتتكامل صورة الإنجاز.
الدستور-نيفين عبد الهادي