لم تتخيل السيدة نهلة أبو دقة، أنها ستعود للمقاعد الدراسية وقد بلغت 48 من عمرها، فخلال عام مضى، كانت تخرج كل صباح في طريقها إلى المدرسة، وهي متشبّثة بيد ابنتها الطالبة زهور أبو سمحان (18 عاما).
فمرور 30 عاما على تركها للمقاعد الدراسية، لم يقتل شغفها في مواصلة التعليم، بل زادها إصرارا على ضرورة إنجاز ما تم تأجيله سابقا، لظروف خاصة.
أبو دقة، وهي أمّ لـ 8 أبناء، تحمّلت الكثير من المسؤوليات الاجتماعية في عام قضته بالدراسة والمتابعة العلمية، تجتاز اليوم مرحلة الثانوية العامة بامتياز، بعد أن حصلت على معدل 95%، في تخصص العلوم الشرعية.
قرار التحاق أبو دقة بالثانوية العامة نبع عن رغبتها في تشجيع ابنتها على الدراسة، ولفتح المجال للمنافسة بينهما، لكنها تحرز تفوقا على ابنتها التي نالت معدلا متفوقًا وصل 91.7% في التخصص الأدبي.
عام كامل من الذكريات والتعب والحرص على الدراسة، تطويه اليوم أبو دقة، وتعتبره خطوةً أولى على طريق استكمال الدرجات العلمية.
وتقول السيدة الفلسطينية في حديثها لوكالة الأناضول: “الظروف الاجتماعية والمعيشية حالت خلال 30 عاما من التحاقي بالثانوية العامة”.
وتتابع: “لكن العام الماضي شعرت بأن المسؤوليات قلّت، والأبناء كبروا وباتوا يعتمدون على أنفسهم، وهم أنفسهم شجعوني لاتخاذ هذه الخطوة لاستكمال حلمي بالدراسة”.
وتبيّن أنها طيلة الأعوام الثلاثين الماضية، لم تنفصل عن الدراسة أو المناهج التعليمية الفلسطينية، فقد كانت تتابعها من خلال تعليمها المستمر لأبنائها حينما كانوا في المراحل الدراسية المختلفة.
وتوضح أنها اتخذت خطوة استكمال شهادة الثانوية العامة كي تكون ابنتها، المتفوقة، مكمّلة لها في دراستها، في حال عجز عليها فهم شيء أو حل بعض المسائل.
وتشير أن دراستها، خلال عام كامل، لم ينقص من مسؤولياتها الاجتماعية والعائلة، بل قامت بتلبيتها كما أنها متفرغة لهذه الأمور تماما، على حدّ قولها.
وتشعر “أبو دقة” بالفخر حينما كانت تجلس بجانب طالبات الثانوية، بعمر ابنتها “زهور”، في الصفوف الدراسية، كي تتلقى العلم.
وتقول في إطار ذلك، كانت تجربة أكثر من رائعة، سيدة بهذا العمر تكمل تعليمها وتجلس إلى جانب طالبات، يصغرنني بثلاثة أجيال، هذا كان دافعا لي من أجل الاستمرارية والتفوق.
كما أن الدراسة لم توقف عمل أبو دقة، في إعطاء دروس الدعوة الإسلامية، داخل مساجد غزة.
أبو دقة كانت تواجه عشرات من الانتقادات يوميا، من المحيطين بها، بسبب التحاقها بركب الدراسة، من بين تلك الانتقادات أنها “كبرت عمرا على هذه الخطوة”، وكانت هذه من أكبر التحديات التي نجحت السيدة باجتيازها.
وتطمح أبو دقة في استكمال دراستها الجامعية في تخصص العلوم الشرعية والفقة الإسلامي لاحقا.
أما ابنتها “زهور”، فقد شعرت بالفخر فور صدور نتائج الثانوية العامة، كون والدتها حصلت على معدّل نهائي أعلى من معدلها.
وتقول للأناضول: “تبدلت فرحتي لفرحتين يوم صدور نتائج توجيهي، بعدما عرفت أن والدتي تفوقت عليّ في هذه المرحلة الدراسية”.
وترجع الطالبة “زهور” تفوها إلى التحاق والدتها بالثانوية العامة، حيث شكّلت داعما ومشجعا لها للدراسة، فيما فتحت لها بابا جديدا للتنافس، لدفعها للدراسة بشكل متتابع.
وعاشت زهور برفقة والدتها أوقاتا جميلة يوم صدور نتائج المرحلة الدراسية، حيث اختلطت مشاعر القلق والتوتر والفرحة مع بعضها؛ رغم أنها ووالدتها توقعتا النتيجة مسبقا.
وأما عن رحلة الدراسة، فتقول أن العام الماضي كان فارقا في حياتها حيث تقرّبت من والدتها بشكل أكبر، وأصبحت صديقتها التي تقضي معها معظم الوقت سواء في الخارج، أو أثناء الدراسة داخل المنزل.
هذا لم يمنع “زهور” من معاونة والدتها داخل المنزل، وتقسيم الأعمال المنزلية اليومية بينهما كي تجدا وقتا للدراسة والمتابعة.
إلى جانب ذلك، لم تقتل الدراسة والطموح في التفوق في مرحلة الثانوية العامة، هواية الطالبة زهور في الرسم.
فخلال العام الماضي، عملت من داخل المنزل، على رسم لوحات فنية يطلبها الزبائن، عبر صفحة دشّنتها على موقع التواصل الاجتماعي “انستجرام”.
وتطمح الطالبة أن تدرس “هندسة الديكور” في الجامعة، لتغذية وتنمية موهبتها.