رمزي الغزوي
كنت سأكتب عن الحرائق التي التهمت غابات لبنان وحرقت قلبي. لكني مع حميمية التزاحم ودفء التلاحم في تظاهراته منذ يومين قلت لصديق لي: هل تعلم أن جسد الإنسان يطلق حرارة في كل ساعة، تكفي لغلي لتر من الماء؟!. فقلب شفته عجباً، وفتح راحتيه. فأضفت هامساً: يعني لو تشكلت هذه الكتلة الملتهبة من قبل، لفاضت حرارتهم، وحرقت فسادا مستشريا، ولما بقيت الحرائق تلتهم الأشجار بدم بارد.
بعد هذا لم أقل لصديقي بأني أفكر بنهر ساخن يمخر البلدان الموجوعة. ولكن صديقي تدارك الأمر وقال: دعنا نفكر بأكبر حمام (ساونا) في العالم، دعهم يغسلوا أدران فساد تلبد وتغلغل في مسامهم من عقود. أو دعهم ينتفوا ريش كل تخاذل.
بعد هذه الفكرة تذكرت السؤال الافتراضي الذي طرحه علينا أستاذ الحرارة ذات درس: كيف تستطيع أن تبقى على قيد الحياة، لأطول فترة ممكنة، إذا حكم عليك بالموت حبساً في ثلاجة؟!.
بعض من الزملاء اقترحوا ممارسة التمارين السويدية والركض، وقال آخر: ما على هذا الإنسان إلا أن يتمدد على ظهره، ويبتهل إلى الله بالدعاء الحار الحامي؛ كي ينقطع التيار الكهربائي، فتنطفئ الثلاجة. يومها ضحكنا بحرارة، وابتسم الأستاذ ببرود.
قد يكون أن التصرف الفيزيائي الحكيم الذي على الشخص المحبوس المكبوس في الثلاجة أن يتكور على نفسه، ويقرفص، ويهدأ، ويستكين، و(يلبد)، فالشكل الكروي يحافظ على حرارة الجسد ولا يبددها. فهذا التصرف قد يؤجل الموت قليلا. لكنه لن يبعده!.
مع مشهد حشود بيروت سأقول بلسان طلق ذلق: في العادة بعض الشعوب تكون محشورة في ثلاجة لا يترجى انقطاع كهربائها، ويبقى دائماً ثمة صوت خفي يدعو إلى الانصياع لحكمة الفيزياء، أي إلى التكور والقرفصة في انتظار موت محقق.
أرجو أن يكون هذا هو زمن الخروج من الثلاجة. زمن الحرارة التي ستنفض الفساد وتنظفه وتشطفه. فهذا زمن يليق أن نرمي عكازاً كنا نمشي بها الحيط الحيط، وندعو بالستر. هذا زمن يخرج الواحد منا من بنديرية: حُط راسك بين الرؤوس، وقلْ يا قطاع الرؤوس.
لن ينصاع أحد إلى الفيزياء وحكمتها، بل ستهتف هذه الشعوب المتعبة للحياة بكل حرارتها: لن نتكور، أو نقرفص، أو ننكمش، أو نهدأ. فتحية لكل من يتوق لحريته. هذا حصاد شمس خرجت من ثلاجتها.