مع حلول الشتاء.. غابات عجلون وجرش يتهددها التحطيب الجائر
حلّ الشتاء، وبدات العيون تصوّب الى الغابات، فالمواقد في المدن الكبيرة لها زبائنها كما روادها، وتحتاج الى الحطب التي هي مادة وقودها، وعلى الطرف المقابل هناك اسر لا تقوى على تامين مادة الوقود من المشتقات النفطية او الغاز لتدفئة اطفالها، والحل في كلا الحالين هو الغابة !.
لم يعد خافيا على احد ما تواجهه الاشجار الحرجية في مختلف غابات جرش وعجلون من خطر التحطيب واجتثاث البعض منها لاسيما شجرة السنديان تلك الشجرة الوطنية بهدف الاتجار بها وحاجة البعض الاخر من المواطنين لها لغايات التدفئة .
ولعل المشاهد تتكرر رغم قساوة الاجراءات والضبوطات الحرجية والتي تتفاوت من مكان لاخر فليس غريبا ان يزور المرء منطقة ما اليوم وهي مكسوة بالاشجار ليعود بعد فترة وجيزة ليجدها اشبه ما تكون بصحراء حيث فعلت بها المناشير الكاتمة للصوت فعلها والمسندة بمركبات الدفع الرباعي القادرة على سلوك اصعب الطرق البعيدة عن اعين المراقبين .
ولعل الظاهرة تزداد ضراوة كلما اشتد الطقس برودة وفي ايام المربعانية تاخذ اوجها ويزداد التعدي على الاشجار في جنح الليل على الغابات في اشهر محافظتين تتميزان بالغطاء الشجري هما عجلون وجرش بعد تمهيد واسع النطاق يتم عبر اشهر الصيف من افتعال للحرائق التي تاتي على مساحات كبيرة منها .
ويشير خبراء ومراقبون في المحافظتين ،ان الاعتداء على الغابات يتم بطرق ممنهجة ، فحرائق الصيف ليست وليدة الاهمال فحسب انما هناك من خطط لها عن سبق اصرار وان من يحرقها صيفا ياتي ليبيعها حطبا في الشتاء.
وعزا بعض المتابعين الى ان ارتفاع أسعار المحروقات مدعوما بضعف تطبيق القانون والرقابة على هذه الغابات شكلت عوامل اغرت اصحاب النفوس المريضة باحراق الغابات ، وأن اساليب الرقابة على الحراج لم تتطور كما تطورت اساليب المخالفات، ومن الخطأ أن تكون كافة غابات واراضي الحراج في الاردن مفتوحة للتنزه ، لا يتسبب به من ضعف القدرة على مراقبة هذه المساحات من الغابات ، وأن حدود المسؤولية عن هذه الغابات غير واضحة ووجود تداخل كبير في الصلاحيات الامر الذي يتطلب العمل على ايجاد خطط مدروسة لمتابعة الغابات ووضع استراتيجية وطنية للحفاظ عليها وتدعيم هذه الاستراتيجية وتقديمها للحكومة لتكون ملزمة وأن تشمل الجوانب القانونية والعقوبات والكثير من الجوانب الاخرى.
ورغم تفاوت الارقام في اعداد الضبوطات الحرجية في كلتا المحافظتين والتصريحات التي تطلق من هنا وهناك بوجود تراجع في عددها بسبب تطوير القوانين النافذة التي غلظت العقوبات وزيادة الكوادر العاملة في حماية الغابات، الا ان المشكلة قائمة وتنتزع من الارض سنويا الاف الاشجار المعمرة وبمساحات كبيرة .
الزراعة
وبحسب تصريحات مديري زراعة المحافظتين الدكتور عماد العياصرة في جرش والمهندس رائد الشرمان في عجلون فان المساحات الغابية في المحافظتين تبلغ 222 الف دونم من اجمالي مساحتيهما البالغة 829 الف دونم ، أي ان المساحة المغطاة بالغابات في المحافظتين تشكلان ربع تلك المساحة فيما تشير اجمالي ارقام الضبوطات الحرجية لهذا العام فيهما الى « 128 « ضبطا منها 35 ضبطا في عجلون وبيع 220 طنا من الاحطاب منها 50 طنا من الاخشاب المصادرة في عجلون يقابلها في جرش بيع 170 طنا وهناك المئات من الطلبات على قائمة الانتظار للحصول على تلك الاحطاب ، فيما اتت نيران الحرائق في الصيف على نحو الفي دونم في جرش ومثلها تقريبا في عجلون .
وتشير الارقام المستقاة من العياصرة والشرمان الى تراجع الاعتداءات على الحراج بنسبة 80 % ، ففي حين بلغت في جرش 93 هذا العام كانت في العام الماضي 185 ضبطا في جرش و 35 ضبطا حرجيا في عجلون ما يؤشر على ان فاعلية الرقابة وتغليظ الاجراءات الرادعة وتفعيل القوانين اعطت نتائج ملموسة في الحد من هذه التعديات بحسب المديرين .
ولكن يبقى السؤال اين تكمن المشكلة وما الحل المناسب لها ؟ و نتوقف هنا عند بعض جامعي اغصان الاشجار لنجد «إن دخلهم الشهري محدود ولا يتجاوز الـ 250 دينارا وهو دخل متدن يحول بينهم وبين الحصول على المحروقات كالكاز او الغاز او السولار ما يلزمهم العمل خلال اشهر ما قبل الشتاء لجمع الاغصان المتساقطة عن الاشجار او اليابسة لاستخدامها في التدفئة شتاء ويؤكدون أن الطن الواحد من الجفت تجاوز ثمنه 120 دينارا، ومعرض أيضا للارتفاع المفاجئ مع بداية تساقط الأمطار وقد يصل ثمنه إلى 150 دينارا .
ويعتقد هؤلاء المواطنون أن مهمة جمع الحطب والأغصان الجافة في المناطق التي تحددها وزارة الزراعة تسهل عليهم الحصول على هذه المادة التي من شانها ان توفر عليهم الكثير من المال اللازم للتدفئة اضافة الى تنظيفهم للغابة بهذا العمل .
ويؤكدون أن معظم سكان القرى المحيطة بالغابات يلجأون إلى الحطب لاستخدامه في التدفئة، كون هذه المناطق تتميز بانخفاض درجات حرارتها بشكل كبير في فصل الشتاء، ولا تتمكن الأسر الكبيرة من شراء المحروقات التي ترتفع أثمانها بشكل مطرد ، يقابل ذلك مواقد الفلل الكبيرة التي تدفع للحطابين مبالغ كبيرة للحصول على الحطب وقد برهن العديد من الضبوطات بان اتجاه هذه الاحطاب كانت المدن الكبيرة .
وفي تصريحات صحفية سابقة اشار مسؤولون في وزارة الزراعة ومديرياتها الى ان كميات الاحطاب التي جمعت نتيجة الحرائق من غابات المحافظتين قد استنفدت وان هناك طلبات متكدسة لديها للحصول على الاحطاب وهنا يبرز سؤال من اين سيغطي اصحاب هذه الطلبات حاجتهم من الاحطاب ؟!
وتبقى الحقيقة التي نحن بصددها الى ان الاشجار الحرجية في المحافظتين تشهد تراجعا وانحسارا وتناقصا تدريجيا خلال السنوات الاخيرة جراء الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها الغابات في المحافظتين بسبب التقطيع الجائر لغايات التجارة او التدفئة في فصل الشتاء . ويبقى من نافلة القول ان علينا سواء كنا في دائرة المسؤولية ام موطنين « وكلنا مسؤولون « ان الغابات ليست ملكا لفرد او حتى جماعة انما هي ملك للوطن وان المحافظة عليها مسؤولية الجميع وان المطلوب اكثر من وزارة الزراعة ان تمد يدها الى كافة الجهات التي لديها الرغبة بالتعاون والشراكة الحقيقية لحماية الغابات من خلال التفكير الجاد بتفعيل اصدقاء جوار الغابة الامر الذي يوفر مشاريع تنموية حقيقية تشغل الايدي العاملة او الباحثة عن العمل وفق شروط يكون هدفها الاول حماية الاشجار من الابادة .