د.منصور محمد الهزايمة
الفروق الفردية بين المتعلمين: ما أعظم شأنها!
يُعد مفهوم الفروق الفردية بين المتعلمين من المفاهيم الرائجة في العمل التربوي، وهو في أبسط تعريف له يعني “تمايز المتعلمين في سماتهم”، وهناك توافق لا يقبل التأويل على وجوب مراعاة هذه الفروق، حتى يُحسب أن كل متعلم يمثل حالة خاصة، لها سمات تميزها وسلوك ملازم لها، مما يحتم تنوع الأساليب في التعامل معهم.
يخال المعلم طلابه للوهلة الأولى أنهم متشابهون أو متساوون، لكن سرعان ما ينفجر بركان التباين بينهم، فتتبدى الاختلافات في كل شيء، تبرز أولا في الخصائص الجسمية من طول ووزن وهيئة وصوت، ليتكشّف بعد قليل نوع أخر من الاختلافات، فهذا طالب جاء وهو يعرف هدفه تماما، وذاك مكره يأتي إلى صفه مرغما، وبينهما ثالث غايته تمضية الوقت في اللعب والمرح، ليلمس بعدها تفاوت كبير في قدرات الإدراك والذاكرة والنواحي العقلية، الذي ينشأ عنه اختلاف في الحفظ والفهم والتذكر، مما يؤدي إلى تصنيف يفرض نفسه أكاديميا فيبدأ المعلم تسكين طلابه في فئات مثل “ضعيف” و”متوسط” و”متفوق”، لكن ذلك كله لا يُغني ولا يعكس واقع الحال.
أثناء ذلك، وخلاله، يتكشف أن التصنيف الأكاديمي إلى فئات ثلاث لا يفي بالغرض، حيث عندها تبدأ تتكشف الكثير من الشخصيات النمطية، التي تتطلب من المعلم أن يتعامل معها جميعا، وأن يدرك أن لكل شخصية مفتاح خاص بها، ولو أردنا أن نعدد أنماط الطلاب في الحجرة الصفية، ومناقشة خصائص كل نمط، وكيفية التعامل معه، لطال الحديث وتشعب.
أعان الله المعلم -أينما كان- فحجرات قلبه الأربع لن تكفي، ليتعامل مع هذا الكم الزاخر من التباين في السمات، الذي يزحم عليه حجرة الصف، فيحتاج أن يُنزل كل شخصية منزلها، وعليه أن يمتلك في قلبه باقة منوعة من المفاتيح، قياسا على نظرية القفل والمفتاح، كما يحتاج المعلم أيضا أن يملأ قلبه كمّاً من السمات مثل الحكمة والصبر والقوة والحزم والحذر، حتى يختار المفتاح الصحيح للشخصية الصحيحة، وبذلك فإن المعلم له شخصية واحدة، عليها أن تتعامل مع أنماط مختلفة، فتصبح شخصية المعلم هي القاسم المشترك بين هذه الشخصيات، التي منها المتنمر، المشاغب، العدواني، الخجول، الكسول، الثرثار، المتعالي، المتملق، الساخر، حتى تخال أن الأرواح الهائمة في الحجرة الصفية تكاد تمثل عالم الإنسانية برمته، لما يعكسه من تنوع وتباين.
يُرهق المعلم نفسه لما ينبغي له أن يمتلك من الخصائص والمفاتيح، حتى يطوع هذا التنوع في الطاقات والقدرات والاستعدادات ليسخرها جميعا في التعلم، ويبذل جهدا مقدّرا ليتوافق مع كل هذه الشخصيات، لكنّ الهمَّ يزيد والمصيبة تعظم إن ظنّ أنه يرتاح بتجاهل هذه الفروق، والتعامل مع المتمايزين على أنهم متساوون، فعندها لا يُتعب قلبه بل يحرق نفسه.
أمّا ما يمكن أن ينشأ عن اهمال الفروق بين المتعلمين فهو أعظم مما قد يتصوره البعض، فعندها لن تتحقق الأهداف المرجوة في حجرة الصف، ولا الغايات السامية للنظام التعليمي برمته، مما يؤدي إلى حالة من الإحباط لدى أطراف العملية التعليمية خاصة المعلم، فيكون الفاقد التعليمي عظيما.
التعليم هو أحد أنشطة الحياة، ولا يرسم الفشل أو النجاح فيه مسار الحياة، لكن في الواقع لا يمكن التقليل من شأنه أبدا، إذ تكمن أهميته في ذاته، لذا يفترض أن يكون التعليم محل إجماع بين الناس، ليختاروا بعدها توجهاتهم في الحياة مهما كان شأنها.
ندرك -على وجه اليقين- أن قيمة الحياة وتطورها كان -دائما- في تنوع السمات البشرية بيننا، وامتلاكنا ذكاءات متعددة، ولو كنا متشابهين أو متساوين لفقدت الحياة شأنها وبريقها، ولبقي الانسان يعيش على هامش الزمان.
وأخيرا همسة في أذن كل معلم، أدعوه أن ينعش ذاكرته؛ عُد الى تلك الأيام التي كنت فيها طفلا تتعلم مع أبناء جيلك، وتفكّر فيما هي مجموعتك عليه الأن من تنوع حياتي اجتماعي ومهني، ولك أن تتساءل وتجيب: هل كان التصنيف التقليدي في حينه هو العامل الأساسي فيما هم عليه الأن؟