ما زال جيلي يرتع في تلك المنطقة ..منطقة الأبيض والأسود..تشرّب أفلامها وسكنت روحه و قراراته..! ما زال الحبُّ عذاباً عظيماً ؛ ومنتصراً مع كلمة (النهاية)..! ما زالت قبلة البطلين في كل أفلام الأبيض والأسود على البحر أو في شارع عام أو بالقرب من شجرة.. هي بوصلتنا الكاذبة..! نحن ضحايا تلك الأفلام..هي التي جعلتنا نحكم على الأشياء بتهوّر و تطرّف..إمّا أبيض أو أسود..! بلا عمق ..بلا أخذ بأسباب الواقع..بل تجهيز حقيقي للانتصار الحقيقي في الحياة..! وكانت دموعنا ترافقنا طوال الفلم حتى بلحظة كاذبة يتزوّج الفقير من بنت الباشا ..أو تحظى ساندريلا العربية بفتاها على حصانه الأبيض..! حتى أحلام تلك الفترة كانت مفروضة علينا بإرادتنا..الأفلام والأغاني أوحت لنا بأحلامنا وصنعتها..لذا تجدنا للآن حين تنطلق أغنية بأي لحظة قادمة من ذاك الزمن ؛ تجدنا أرخينا خيالنا وسرحنا وتمطقنا وتركنا لعيوننا حرية البكاء وكأننا نبكي على أطلال متكاملة في أدمغتنا وحدنا..! ومع إنني أُحمّل أفلام الأبيض والأسود جزءاً كبيراً مما حدث لنا ؛ لكنني أرى أن نساء تلك المرحلة كنّ ضحايا أكثر منّا نحن الرجال..فنحن نطنطنا كالقرود من شجرة إلى شجرة ولكن النساء بقين على انتظار في بيوتهنّ وأحلامهن التي لن تتحقق ..وبقين يصارعن الفرس البيضاء مع كل الشوارع من حولهنّ (تسفلتت) ولم تعد صالحة لمرور أي فارس على فرس..! جيلنا لن يستطيع الخروج من الأبيض والأسود..لأنه موهوم ومطعون بحبّ..لأنه يرى الخديعة نضجاً؛ والاغراق في الانتظار فكراً متقدماً..بل إنه يرى كلّ خرابات ما حدث زمناً جميلاً..!