أ. سعيد ذياب سليم
يطل الليل من نافذتي ، يعرفني في وحدتي و الليل صديق، يمد يديه و يأخذني بعيدا ، أسير معه فوق الغيم الأسود خلف ستائر المطر، تدفعني تياراته إلى أعلى تحملني باتجاه تلك العيون البراقة التي ترقبنا بحنان نحن أبناء الإنسان. تخفت الرؤيا و تختفي تفاصيل المدينة ، تبدو الطرقات كالأشرطة الضيقة تلتف تارة و تستقيم أخرى ، وتبدو المباني كاللعب تنيرها مصابيح الشوارع و كأنها شموع صغيرة. تقزّم العالم و لم أعد أرى أياً من همومه الكبيرة.
تمر حولي كائنات أثيرية ربما هي أحلام العشاق و أمنيات المحرومين أيقظها الليل و سار بها رسائل شوق و بكاء و حنين. همس أرواح و آهات قلوب تحملها طيور الوحدة بين النوافذ المشرعة على الليل و تلك التي تلتصق بالسماء، تداعب الجفون و توقظ الأحاسيس و تؤنس قلوب الغرباء.
رف يراعات يضيء درب الذكريات المرسلة لتطفئ نار الشوق و تصنع الابتسامات.. كم هي مزدحمة سماواته هذا الليل! افتح نافذتك لا تخشى الريح و استمع إلى همساته ستدرك أن الوحدة كائن هلامي يذيبه قلب الليل النابض.
وضعتني تياراته في قرية صغيرة بين الغيوم ، قرية بيضاء أكواخها مبنية من قطع السكر تسكنها الجنيات ، اختبأت خلف شجرة و جلست أسترق النظر ، ربما نخرج من الدنيا و ليس لنا إلا بعض نظرات حالمة نجمعها من هنا وهناك ، ماذا تصنع هذه الجنيات ؟
يجلسن في مجموعات ، تضيء وجوههن ابتسامات سعيدة ، لا تعرف في محيّاهن انكسار ، لا قلوب منكسرة ولا خواطر ، أصوات طيور تصدح في الأجواء يخالطها صوت صلاة ، تتسلل إلى القلب السكينة و السلام ، ياه .. أهي الجنة أم هو الحلم ؟ أهي أرض السعادة ؟
رأيتهم يعدّون للعيد حلته، يلبسونه زي بهلوان ، يمشطون شعره ، يضفّرون جدائله و يملؤون جيوبه قطع حلوى و يحمّلونه ألعابا للأطفال ، ربما يرسلونه بعد ذلك ليتجول في شوارع مدننا الأرضية ! هل يستطيع السير في شوارعنا المزدحمة ؟ هل سيجد من ينتظر قدومه ؟ ربما الاطفال ، هل ما زال الأطفال ينتظرون العيد و قد نضجوا مبكرا ولم تعد ترضيهم قطع النقد الصغيرة ؟ ومن يصدق كائنا يتجول بزي بهلوان ! وقد فقد الفرح ألوانه و أصبح الأحمر لون الغضب .
إذن هو العيد من أحضرني ، موسم الفرح الذي تغيب طويلا عن مدننا وقد أنهكتها فوضى العالم و ضوضاؤه! كم هي خادعة هذه المسميات ، جميلة متقلبة و براقة كالحرباء و شرقنا ينتظر تحقق نبوءة العرّاف الأكبر الذي يلهو بنا بألعابه السحرية و نحن ننتظر أن يمر نبي العصر في الشوارع قادما من مدينة الأحلام التي تفصّل لنا الوعد الذهبي .
هل سيأتي العيد بملامحه التي عهدناها نحيلا بوجهه الأسمر التي هي بعض سمرتنا خالي اليدين – كعادته – سوى من قبلة وحيدة، وحقيبة أمنيات، أم أنه سيحمل ملامح شقراء و عيون زرق؟ يتحدث بلكنة غريبة يحمل أوراق النقد الخضراء يوزعها بالطريقة التي يستعرض بها السادة نفوذهم ! هل سيغني معنا و يسرد لنا بعض نوادره لنضحك سويا حتى تبتل مآقينا فرحا ؟
جميل هذياني، جنيات و قرية فوق هضاب الليل ، أبراج نحاسية و كائنات تحيك أساطير العيد ، وفي الأسفل ينتظرني شخصي واضعا يده على خده في انتظار صرّة الهدايا يأتي بها ” بابا نويل ” أو ” علي بابا” أو ” دراكولا” … فليأتي أحدهم بالفرح.