إبراهيم السواعير في خضمّ اهتمام جلالة الملك حفظه الله ومتابعته الدقيقة لنوعيّة الجهود الوطنية في مواجهة أزمة كورونا، لدرجة اتصاله بالأطباء،.. وفي ظلّ الاستنفار الوطني، من إعلام فاعل وصحّة مواكبة وقوات مسلّحة وأجهزة أمنية عاملة ليل نهار ومبادرات قطاع خاص تنطلق من المسؤولية المجتمعية، والكثير مما يفرح من تآزر وطني في كلّ الوزارات والجهات المعنيّة،.. فإنّ من الوزارات “غير السياديّة”- كما كان يُنظر إليها في فهم الدور قبل جائحة كورونا- من قامت بدورها، فأقنعتنا بأهميّة هذا الدور وضرورته، إذ دخلت وزارة الثقافة هذا المعترك بقوّة وثقة، وكان يمكنها أن تقول إنّ أزمة كورونا أزمة صحيّة مجتمعيّة؛ فتقف على الحياد أمام مشاركات الوزارات ذات الاحتصاص، أو أن تقوم بجانب توعوي خجول يعتمد على “لا تخرج من البيت”، أو “خليك بالبيت”،.. وما شابه. غير أنّها استطاعت أن تضع لنفسها مكاناً محترماً، ومقنعاً ووجيهاً، وهي تدخل هذا الخضمّ بذكاء، معتمدةً على رؤية واثقة ذات اشتغال يومي ومتابعة وتفكير “خارج الصندوق”، مستهدفةً الوعي الثقافي من جهة، وإشغال وقت الفراغ الذي يعاني منه الكبار والصّغار، ومستنفرةً كلّ مفرداتها، في الفن والأدب والمعرفة، للإفادة، إذ أصدرت في البداية دليلاً إلكترونياً بصيغة “بي دي إف”، اتّسم بالذكاء والبساطة معاً في توجيه متصفّحيه، في مواضيع ثقافة التعاون عن بعد والتباعد الاجتماعي الذي لا يلغي إحساس الجار بالجار وإشعاره بالقرب المعنوي والهدف الواحد الذي يعمل له الجميع، شعباً وحكومةً ودولة في ظلّ قيادة حكيمة. فالمواكبة الذكية التي جاءت تحت عنوان “دليل التكيف الاجتماعي والتضامن الإنساني في زمن وباء الكورونا”، دخلت بلطف وسائل التواصل الاجتماعي وعلى صفحة الوزارة وموقعها الإلكتروني وعبر وسائلنا الإعلامية المقروءة والمكتوبة والمسموعة، لتضع الجميع أمام خطر يستلزم الوقوف له وعياً وثقافة مجتمعيّة تخالف ثقافة “كل ممنوع مرغوب” أو إظهار المقدرة على هذه المخالفة. إنّ الدليل هو تفكير ريادي وجميل يدمج الصحي بالاجتماعي بالثقافي، ومدعّم بتصاميم جميلة تحمل فكرة التضامن مع الجيران عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونقل الرسائل الإيجابيّة التي ترفع المعنويات وتلغي الخوف لتحقيق المناعة الصحية النفسية، أمام أخطار الإشاعة والأخبار الكاذبة، والعناية بكبار السّن. والمهم في الدليل أنّه يكاشف بنسب صادقة صادرة عن منظمة الصّحة العالمية، ويدعو إلى إشغال وقت الأطفال بالقراءة والمطالعة ضمن مساحة من الترفيه عن النفس، دون أن يغرق أبناؤنا في الألعاب الإلكترونيّة، نحو الدعم النفسي والاجتماعي، بالإضافة لإتاحة روابط حيّة لمواقع ومنصّات القراءة العربية والعالمية، والدعوة أيضاً للرسم والتمتع بلوحة تشكيلية أو رياضة اليوغا أو التأمل، وسوى ذلك مما تتقبله النفس دون ثقل أو ملل، أو حتى خوف أمام نسب ووفيات عالمية وقلق عالمي أمام خطر يتهدد الجميع. على أنّ التفكير بعمل بمقترح، كالدليل مثلاً، هو بحدّ ذاته عصف ذهني وعمل حضاري، يتنافذ على مقترح جميل يجيء بعد تفكير واعٍ ومثمر، بالتعاون مع الجهات الوطنية، هو مسابقة “موهبتي في بيتي” التي تحفز الطلبة الأطفال والشباب على المزيد من الفرح، من خلال مراسلة الوزارة بنتاجات إبداعية طيبة أو أعمال فنيّة وأدبيّة شعرية، لتكون هذه المسابقة التي تشتمل على مئة جائزة خلال الأسبوع، بواقع ثلاثة أسابيع، هي استمرار لتفكير عميق ومترابط ومتواصل مفرح يضعنا بصورة أهميّة الثقافة في تغيير الذهنية المجتمعيّة، فوجود شعارات “خليك بالبيت” مثلاً على لوحات تشكيلية وتصاميم، يعطينا مؤشراً على جهد يُحترم، وإشاعة جوّ الأمل من خلال الإبداع وفتح الآفاق، فتحية لوزير الثقافة الدكتور باسم الطويسي ولزملائه الموظفين “المفكرين” العباقرة في أن يكونوا بالظرف لا خارجه، فيقنعوا العائلات والناس بجدوى الثقافة والإبداع في أوقات الحظر وفي الأيّام العاديّة التي ننتظرها بشوق، حين نتجاوز هذه الجائحة العالمية بإذن الله. ومن نافلة القول إنّ كلّ شيء في هذه الحياة إنّما يعود إلى الثقافة ويرتدّ إليها، فما نراه في بعض التصرفات الخارجة عن سياق المنطق ويعمل بالضدّ من مكافحة هذا الوباء سببه ثقافة مجتمعية وذهنية صعبة على الإقناع أو التغيير أو حتى المواجهة بالحجة والبرهان، ومع ذلك يبقى شعبنا الأردني والحمد لله محتكماً إلى ثقافة التعاون والتآزر والكلمة الواحدة والسلوك الواحد المبني على معنى الجهد الوطني والإحساس المقرون بالعمل انطلاقاً من خطورة وحساسيّة ما يستجد لا سمح الله من جوائح وأوبئة وأزمات.