أعادت أزمة كورونا الكثير من الحسابات للسياسات العامة في إدارة القطاعات في الدول، وخاصة القطاعات الصحية ثم تليها ولا تقل عنها أهمية السياسات الاقتصادية وأهمها المتعلقة بتعزيز وتوفير الأمن الغدائي الذي يوفره بشكل أساس القطاع الزراعي بكافة مكوناته النباتية والحيوانية. شكلت الزراعة المرحلة الأولى من مراحل الحضارات العالمية التي رسخت الاستقرار الحضري للإنسان، وبنيت عليها التطورات الصناعية ثم التجارية حتى عصرنا الحاضر وأصبحت التكنولوجيا الزراعية حاليا أهم ميزة للمجتمعات المتقدمة والتي توفر الاكتفاء الذاتي للأمن الغذائي للشعوب. القطاع الزراعي الواعد في الأردن تتوفر له كل مقومات الزراعة المعاصرة والتي يمكنها أن تكون أحد أهم قطاعات اقتصادات الأعمال الناجحة والجاذبة للاستثمارات، وأحد أهم مصادر الدخل القومي للأردن. ميزات الأردن في الزراعة تأتي أولا من البيئة المناخية الملائمة لتنوع كبير من أصناف الزراعات، حيث يعتبر غور الأردن بيئة مناخية نادرة على مستوى الإقليم والعالم ومن حيث أوقات نضوج الزراعات وتنوعها واحتياجات السوق والطلب عليها، وهي أفضل بيئة لإنتاج كافة أنواع الخضار والحمضيات والفواكه التي تفيض عن احتياجات سوق الاستهلاك المحلي بشكل كبير، ولسنوات طويلة واجه الفائض مشكلة كبيرة في التسويق، الأمر الذي تبدل بعد جائحة كورونا، وأصبح الطلب يزداد بشكل كبير على المنتجات الزراعية الأردنية في أسواق الدول المجاورة وبعض الأسواق الأوروبية حسب مؤشرات الأسواق وطلب المستهلكين، ويرسخ ذلك على أن غور الأردن هو سلة الغذاء العربي. من المتوقع أن يستمر ازدياد الطلب على المنتجات الزراعية في المدى المنظور والمتوسط في الأسواق المجاورة بسبب توالي وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية في كافة الدول، والتي سيكون لها تأثير مباشر على تعثر أو توقف الكثير من المشاريع الزراعية ذات الكلفة العالية في بعض دول الإقليم بعد كورونا، مما سيعطي الزراعة الأردنية ذات التكلفة الأقل والنوعية الأفضل ميزة تنافسية بأن تكون السلع البديلة في الأسواق وللمستهلكين، الأمر الذي سيزيد من حجم الطلب عليها وسيجعل من القطاع الزراعي في الأردن أهم عوامل الدعم المالي للاقتصاد الأردني على مستوى الاقتصاد القومي للدولة والفردي للمزارعين. كما تتميز أيضا البيئة الجبلية والمناطق شبه الصحراوية في الأردن والأشجار المثمرة فيها بأفخر أنواع المنتجات طوال فصل الصيف الأردني المعتدل مقارنة بالمناخ بدول الخليج، وأن هذه الزراعات ذات جدوى إنتاجية واقتصادية ممتازة، فعلى سبيل المثال لا الحصر نحن في محافظة عجلون يوفر كل دونم أرض مزروع بالعنب المعلق عائدا ماليا للمزارع بأكثر من ألف وخمسمائة دينار سنويا وبتكاليف منخفضة، وينطبق ذلك أيضا على المنتجات الأخرى وفي معظم محافظات المملكة كالشوبك والطفيلة والمفرق. إن الأمر يستدعي من الحكومة التركيز على هذا القطاع ودعمه وتطويره، وجاءت توجيهات جلالة الملك عبدالله الأخيرة بتعزيز دور القطاع الزراعي والزراعة التكنولوجية في الأردن، لأنه واثق بأن قطاع الزراعة بالنسبة للأردن أهم الفرص الواعدة لدعم الاقتصاد المحلي والذاتي، وهو ما نحن بأمس الحاجة إليه في ظل تراجع وانكماش الاقتصاد الدولي وتوقع انكماش المساعدات الخارجية للأردن في المستقبل القريب بسبب الآثار الاقتصادية السلبية العميقة على كل اقتصادات الدول منفردة، والاقتصاد العالمي الكلي. لا بد من يكون التفكير الإبداعي لخلق الفرص البديلة أهم إستراتيجيات إدارة الدولة والحكومة لحماية وخدمة الدولة والشعب الأردني.