د. علي منعم القضاة
Comprehensive Lockdown
أيهما أكبر ضرراً فيروس كورونا أم الحظر الشامل
دار الحديث في الأوساط الإعلامية والسياسية والاقتصادية، والاجتماعية، وحتى الشعبوية، حول مدى نجاعة الإغلاق الشامل (lockdown)، أو الحظر الكامل (مناعة القطيع)، في منع انتشار فيروس كورونا؛ وهو ما يبدو لي حلقة صراع جديدة، ضمن صراع القوى الانتخابية الأمريكية في الغرب، وتناحر القوى الاقتصادية، والقوى الخفية التي تدير العالم من وراء ستار، ونحن في عالمنا العربي نهلل ونطبل لهذا أو ذاك، دون اعتبار حقيقي لآراء العلماء عندنا ولا الأطباء، وهذا مرده ليس بكل تأكيد لنقص في العلماء، ولا الخبراء من أبناء العروبة والإسلام ، ويجب أن نقرأ كما نسميه في عالم الصحافة، ما وراء الصفحة الأولى (Whats behind the front page).
تتبادر إلى الذهن أسئلة عدة حول الأسباب الكامنة وراء الحظر الشامل (lockdown)، وفي كل دول الإعلام، وهل الإغلاق يُعَد عملاً احترازياً ومفيداً لمواجهة الكورونا؟ هل تم أخذ معطيات انتشار الفيروس؟، ومنها هل تم احتساب متوسط الأعمار في بلادنا العربية، وأوروبا ومعرفة الفارق بينها؟ هل تم معرفة وقت انتشار الفيروس في بلادنا وفي أوروبا والغرب مثلاً؟، هل عرفنا نوعية الغذاء، ومقدار التلوث البيئي في كل بلد من تلك البلدان.
الجواب برأي المختصين المستقلين، الذين لا ينقادون لرأي السياسيين، وإنما يتبعون ما ينتج لهم البحث العلمي، بل ويرون الحقائق من أجل العلم؛ لا لغير العلم! ولذلك فإنني أرى أن إجراء الإغلاق الشامل (lockdown)، هو إجراء غير موفق لأسباب عدة:
أن الكثير من المعلومات المنتشرة (Information) على المستوى الشعبي (public)، وعلى المستوى العلمي (scientific community) عن فيروس الكورونا (COVID-19)، لم تصل إلى درجة أن تكون حال معرفة علمية (Scientific knowledge)، بل فرضيات لم تصل لدرجة القطع واليقين.
أن ما حدث من انتشار للفيروس أدى إلى ردود فعل من جهتين، تسعيان للمحافظة على مكتسباتهما السابقة، وتسعيان لتحقيق مكتسبات جديدة؛ الجهة الأولى مسؤولي النظام الصحي العام، والخاص، والمشترك في العالم. والجهة الثانية هم الساعون للبقاء في مواقعهم من قيادات العالم الديمقراطي والمتمثل بتدخل السياسيين في إدارة الأزمة، وجعلها حرباً من قبيل الحرب ضد مجهول.
نقل حالة الحرب هذه لتصبح ضمن حرب اقتصادية، وحرب وجود وبقاء ديمُقراطيّة، أو ظهور حال الشعبوية (publism)، وهذا ما يحدث عبر التاريخ في مثل هذه الجائحة.
أن الجائحة المرضية في حال حدوثها عبر التاريخ؛ إما أنها تبدأ بحالة حرب مقرونة بجوع ومسغبة، أو أنها تبدأ بحال ترف مقرون بمدنية مزيفة؛ تنتهي بجوع ومسغبة، ومعها حرب مثلما ذكر شبرنجلر، وأكده أرنولد تونبي في دراساتهما عن الحضارات، وهذا ما سبقهم إليه ابن خلدون في هذا الرأي.
هذا ما سيحدث مع جائحة كورونا حيث الإغلاق؛ سيؤدي لحال الجوع والمجاعة في كثير من الدول، وهذا بدوره سيؤدي إلى زيادة حال الوفيات من كبار السن، إلى صغار السن، ويتبع ذلك الشباب من النساء، ثم يليهم الشباب من الذكور لحدوث (mars mic kwashiorkor phenomenon).
متوسط الأعمار في أمريكا وأوروبا (القارة العجوز) (90) عاماً، ولذلك فإن احتمالية الإصابة بالفيروس ستكون أكبر، مقابل متوسط أعمار (75) سنة في الأردن، والذي يعتبر بلداً شاباً نسبة إلى أوروبا وأمريكا، التي تحوي نسبة أكبر من كبار السن، وهذا ما صرحت به جهات مسؤولة لديهم، غير مرة.
وقت انتشار الفيروس يعتبر فصل الشتاء في أوروبا، بينما عندنا في الوطن العربي ومنها الأردن، الفصل ربيع، وهو معلوم لدى الأوساط العلمية والطبية، أن موسم انتشار الفيروسات (High season) يكون في فصل الشتاء، حيث تنشط حركة الفيروسات، ويشتد تأثيرها، بينما تخف حدتها في الأغلب، كلما ارتفعت درجات الحرارة.
إن القول والعمل بالإغلاق للإغلاق ليس أمراً موفقاً، وإن الحفاظ على النظام الصحي يكون بدعمه كركيزة أساسية للأمن الوطني، من خلال التخطيط الصحيح. جائحة كورونا وردت، وستذهب كغيرها من الجوائح والكوارث، سوف يبدأ عالم جديد هو عالم الشعبوية، واقتصاد جديد هو اقتصاد (gig)، أو ما يعرف بالرقمنة (digital). ويبدو لي أن أشد أنواع الرقمنة خطورة هو إيجاد لقاح (digital)، كما تتداول وسائل الإعلام والأخبار والمنتديات الطبية والتكنولوجية، والمقترح أن يكون على شكل شريحة تسير البشرية فيما بعد كالريبوتات، ممكن أن تتحكم بهم جهة ما!! من خلال الأقمار الصناعية، ولن يكون لقاحاً بقدر ما يكون آلية جديدة للسيطرة على البشرية.
ثم نصل إلى سؤال هام آخر؛ ما هي الفائدة الحقيقية المرجوة من الإغلاق الشامل (lockdown)، في الأردن؟!؛ حيث تسعى الحكومة إلى حظر شامل ثلاثة أيام متتالية، بمناسبة عيد الفطر السعيد، كإجراء احترازي على حد زعمها لوقاية الناس من انتشار الفيروس، ولكنه إغلاق سيعقبه انفلات كامل – إن جاز التعبير – بعد يومين، أو ثلاثة من الحظر، كردة فعل اعتدنا عليها في عالمنا الثالث منذ أن كنا طلاباً في مدرستنا الابتدائية، عند الخروج من اليوم الدراسي حتى نكون حالة فوضى ما بعد الحجز. فالحكومة بالمقابل ستُشرع ثالث أيام العيد الباب على مصراعيه لعودة الحياة إلى طبيعتها، بما في ذلك عودة موظفي القطاعين العام والخاص إلى ممارسة أعمالهم بشكل شبه طبيعي.
ولعل خلاصة القول فيما أكتب لهذا اليوم أن الإجراءات الخانقة التي تم اتخاذها من قبل الحكومة للاقتصاد في الأردن كان يجب أن تكون أخف مما هي عليه؛ وليس بالضرورة أن تكون إجراءات مماثلة لما يجري في أمريكا وأوروبا، (Copy paste). يعني وبكل وضوح يجب أن تكون إجراءاتنا وطنية، مدعمة بالدليل العلمي، والدليل الطبي المناسب للحالة الوبائية في الأردن، وللتركيبة الديموغرافية، والاقتصادية الأردنية، وكذلك كان الأجدر أن يتم دعم حملات التثقيف الصحي بأهمية التباعد الاجتماعي، واستخدام الكمامات والقفازات وطرق التعقيم والوقاية الصحيحة.
نعلم أن حكومتنا بذلك إنما تتماشى مع النظام العالمي، وتطبق ما يسود في العديد من دول العالم من إجراءات الحظر الشامل، ولكن السؤال هل يتم هذا بوعي شامل؟! هل الإجراء مدعم برأي علماء أردنيين يعرفون خصوصيات بلدنا والمعطيات جميعها،؟! هل هو فعلاً احتراز؟ أم إتباع لما وجدنا عليه…؟!، ونسأل الله أن لا يضلونا السبيل.
والسؤال في هذه الحالة؛ من سيصنع كارثة أكبر، فيروس كورونا أم الحظر الشامل؟!، ولنا أن نؤكد على أن آراء علماؤنا، وفقهاؤنا في عالم الصحة والاقتصاد أولى بالإتباع، فقد أصبح كلٌ يفتي كما يريد.
من هنا جاء عظمة الإسلام في تحديد لمن يتم السؤال، قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، حيث حدد أن طلب العلم، أو المعرفة يأتي بالسؤال، وحدد من لديه العلم والمعرفة بأنهم أهل؛ أي أنه لديهم الأهلية (مؤهلين)، واشترط للسؤال أن يكون لطلب العلم، أي ليس للسفسطة والجدل (إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، إن توكيدية، ولا نافية للعلم، ومنها يتبين أن الهدف من السؤال هو طلب العلم، وهذا واحد من أهم مقاصد الإسلام، وهو حفظ العقل وحفظ العقل بالعلم، وهو الهدف من سؤالي: أيهما أكبر ضرراً فيروس كورونا أم الحظر الشامل؟؟؟!!!