يصمت مجلس نقابة الصحفيين الموقر عن “إفلاسٍ” يتهدد “صندوق التعاون والضمان الاجتماعي”، الذي بات عاجزاً عن تسديد المستحقات المترتبة للصحافيين وورثة المتوفين منهم (رحمهم الله).
عملياً، عائد الصندوق هو “المنفعة المالية المباشرة الوحيدة”، التي تعود على الصحافيين من النقابة، وحال إفلاسه أو إلغائه سيفقد الصحافيون وورثتهم المنفعة اليتيمة.
موجودات الصندوق الحالية (حتى نهاية شهر 5/2020) تبلغ 19900 دينار (19 ألفاً و900 دينار)، فيما الصندوق مُطالب بدفع 48000 دينار (48 ألف دينار) فوراً لورثة الزملاء المتوفين وللزملاء الأحياء المستحقين نصف التعويض، بعجز يبلغ 28100 دينار (28 ألفاً و100 دينار) ونسبته 58.2%.
مجلس النقابة، وإثر إلحاح الزملاء ممن مضى على عضويتهم 25 سنة وورثة المتوفين منهم، عقد اجتماعاً بحث فيه سبل تسديد المستحقات المترتبة بذمة الصندوق، وناقش الخيارين التاليين ولم يتخذ قراراً: 1- تحويل 50000 دينار (50 ألف دينار) كسلفة من الحساب الجاري الخاص بالنقابة إلى حساب الصندوق، ما يعد مخالفاً (في الغالب) للقانون والنظام، إذ يتوجب أن تقر الهيئة العامة أولاً ميزانية عام 2019، وهذا لم يحصل. 2- وضع المستحقين على قائمة انتظار، وتسديد مستحقاتهم حسب موجودات الصندوق، استناداً لجدول زمني وأقدمية عضويتهم في النقابة (بحسب المادة 6 بند ج من النظام المعدّل للصندوق).
البيانات المالية للصندوق تكشف خطراً حقيقياً يعترض استمراره، إذ بلغت إيرادات الصندوق لعام 2019 نحو 113210 دنانير (113 ألفاً و210 دنانير)، فيما بلغت نفقاته للعام نفسه 163101 دينار (163 ألفاً و101 دينار)، بعجز يبلغ 49891 ديناراً (49 ألفاً و891 ديناراً) ونسبته 31%.
الأكثر خطورة، يتوقع مجلس النقابة الموقر أن يحقق الصندوق إيرادات لعام 2020 بقيمة 119500 دينار (119 ألفاً و500 دينار)، أما توقعاته لنفقات العام نفسه فتبلغ 250030 ديناراً (250 ألفاً و30 ديناراً)، بعجز يبلغ 130530 ديناراً (130 ألفاً و500 دينار) ونسبته 52%.
أما الكارثة، التي تكشف البيانات النقاب عنها، فهي الفارق الكبير بين نسبة نمو الإيرادات المتوقعة (بين عامي 2019 و2020)، التي تبلغ 5.6% (قيمتها 6290 ديناراً)، مقارنة بنسبة نمو النفقات المتوقعة لنفس العامين، التي تبلغ 53.3% (قيمتها 86929 ديناراً).
والأكثر كارثية، أن نسبة نمو العجز المتوقعة في الصندوق تبلغ 47.7%، أي أن عجز الصندوق سيرتفع ليساوي قيمة الإيرادات خلال سنتين فقط.
في المقابل، يجادل مجلس النقابة الحالي، في مناقشاته الداخلية، بعدم مسؤوليته عن مآلات الصندوق ومستحقات الصحافيين المترتبة عليه، ويحمّل مسؤوليتها المباشرة إلى المجلس السابق، باعتبار أن مشروع تعديل نظام الصندوق أُعدّ وفق دراسة اكتوارية في عهد سلفه، وعُرض على اجتماع الهيئة العامة عام 2017، (كما يحمّل جزءاً من المسؤولية للهيئة العامة لتدني نسبة المسددين للرسوم السنوية).
إدعاء مجلس النقابة فيما يتعلق بالمجلس السابق صحيح، لكنه أشبه بمن يقول ولا تقربوا الصلاة ويسكت، للأسباب التالية: 1- اجتماع الهيئة العامة 2017 تحفظ على التقريرين الإداري والمالي، وأحالهما إلى المجلس الجديد (المجلس الحالي). 2- الهيئة العامة أحالت مشروع تعديل نظام الصندوق إلى المجلس الجديد أيضاً. 3- لم يقدم المجلس الحالي أية مراجعة نقدية لمشروع النظام المعدّل، أو حتى للدراسة الاكتوارية، ولم يصدر عنه أي بيان يشير إلى مشكلات أو عيوب. 4- المجلس الحالي حوّل مشروع النظام المعدّل إلى الجهات الرسمية، وأقرّه مجلس الوزراء في عهده بتاريخ 24/تشرين الأول/2018.
منذ تأسيسه، مرّ صندوق التعاون والضمان الاجتماعي بمرحلتين، استناداً لنظامه: – المرحلة الأولى: النظام الأصلي المُقر عام 2004، وأهم ما جاء فيه: 1- الانتفاع من الصندوق لـ “ورثة عضو النقابة”. 2- تخصص النقابة للصندوق 20000 دينار سنوياً (20 ألف دينار). 3- يساهم عضو النقابة في الصندوق بـ 30 ديناراً سنوياً. 4- يستحق ورثة عضو النقابة المتوفى “مساعدة” بقيمة 7000 دينار (7 آلاف دينار). 5- إذا واجه الصندوق عجزاً مالياً يرفع مجلس النقابة مساهمة العضو بقيمة 5-15 ديناراً سنوياً. 6- لم يشترط مضي عدد سنوات محدد في عضوية النقابة، ليستحقق ورثة العضو المتوفى قيمة “المساعدة”.
– المرحلة الثانية: النظام المعدّل المُقر عام 2018، وأهم ما جاء فيه: 1- استحقاق قيمة “المساعدة” مناصفة لعضو النقابة في “حياته ولورثته” بعد الوفاة. 2- تخصص النقابة للصندوق 50000 دينار سنوياً (50 ألف دينار). 3- يساهم عضو النقابة في الصندوق بـ 60 ديناراً سنوياً. 4- يستحق عضو النقابة وورثته مساعدة بقيمة 12000 دينار (12 ألف دينار) تدفع مناصفة لهما. 5- إذا واجه الصندوق عجزاً مالياً، يرفع مجلس النقابة قيمة مساهمة العضو السنوية بالمقدار الذي يراه مناسباً. 6- اشترط مضي 25 عاماً على عضوية النقابة لتستحق المساعدة للعضو وورثته.
ثمة مشترك سلبي يجمع المجالس المتعاقبة لنقابة الصحفيين، ويرتبط بشكل أساسي بالقرارات المتعلقة بمستقبل أعضاء النقابة، ومثالها صندوق التقاعد، الذي سرعان ما تقره المجالس وتعرضه على اجتماعات الهيئة العامة، لتعود عنه مجدداً وتلغيه، وينسحب الأمر على قوانين وأنظمة النقابة، والآن صندوق التعاون والضمان الاجتماعي.
في جدلية صندوق التعاون يتحمل المجلس السابق جزءاً من المسؤولية، خاصة تلك المتعلقة بالاكتفاء بالدراسة الاكتوارية دون إجراء دراسة موضوعية تستند إلى بيانات دقيقة بشأن ماهية المستفيدين من الصندوق، وعدم إطلاع الهيئة العامة على الدراسة الاكتوارية، إضافة إلى مسعى المجلس السابق تقديم إنجاز يحظى بالشعبية وسط منتسبي النقابة.
لكن، هل يُعفي ذلك المجلس الحالي من المسؤولية؟، بالطبع لا، فالهيئة العامة كلّفته النظر في مشروع النظام المعدّل، وهو من أحاله إلى الجهات الرسمية ليمر في مراحل إقراره، وبالتالي فإن تمريره ينطوي على: 1- تقصير في مراجعة مشروع النظام المعدّل بعدم أخذه بتوجيهات الهيئة العامة، التي أوكلته بالمهمة. 2- تفضيل الشعبية على إرساء أسس راسخة للصندوق، والاعتقاد بأن لا أحد من الهيئة العامة يهتم بقراءة التقارير السنوية. 3- إخفاء المعلومات بشأن ما بلغه الصندوق من عجز مالي، والسكوت عن ذلك رغم وضوح الواقع من نهاية 2019 . 4- تقاعس مجلس النقابة عن أداء واجبه في تعزيز إيرادات الصندوق. 5- تجاهل خطورة أن يلجأ أعضاء النقابة المستحقون، أو ورثة المتوفى منهم، إلى القضاء، لتحصيل حقوقهم.
والحال هذه، هل توفرت خيارات أمام المجلس الحالي “في وقت مبكر” لإنقاذ الصندوق من الإفلاس أو الإلغاء؟، نعم، الفرصة كانت متاحة، ولا تزال، وتتمثل في: أولاً: الخيار السلبي/ السهل: الأخذ بما تتيحه المادة 5 بند ج من النظام المعدّل، وتسمح لمجلس النقابة بـ “زيادة قيمة الاشتراك السنوي”، الذي يدفعه العضو، دون الحاجة لموافقة الهيئة العامة، وأيضاً دون تحديد سقف للزيادة، وبالطبع هذا الخيار كارثي بالنسبة للهيئة العامة، نتيجة ظروف معيشية صعبة تمر بها.
ثانياً: الخيار الإيجابي/ الصعب:
الأخذ بما تتيحه المادة 5 بند ب من النظام المعدّل، وتسمح لمجلس النقابة بـ: 1- قبول التبرعات والهبات للصندوق من المصادر الوطنية، دون قيد. 2- قبول التبرعات والهبات للصندوق من المصادر الخارجية (بموافقة مجلس الوزراء). 3- استثمار أموال الصندوق.
صندوق التعاون أمام تحدٍ خطير، فإما أن ننقذه الآن، أو نكتفي بتبادل اللوم ونطوي صفحته كما طوينا غيرها، فالانتظار يعني تراكم المزيد من المستحقات للصحافيين وورثتهم، ومن ثم العجز الدائم عن الإيفاء بها.