مكرم الطراونة
هل كنّا في حاجة إلى أن يستهدفَنَا وباءٌ عالميٌ مثل “كورونا”، ويدفع بالوضع المالي والاقتصادي للبلد نحو مزيد من التراجع، من أجل أن تمتلك حكوماتنا الجرأة الكافية لتفعيل بند مكافحة التهرب الضريبي، وتبدأ بالإعلان بشكل متسارع عن إجراءات بحق من تصنفهم بأنهم متهربون ضريبيا، وأن تعمل على محاصرتهم.
وزير المالية يؤكد أن الإجراءات الأخيرة غير مرتبطة بانتشار الوباء، بل إن كورونا تسبب في تأخر التنفيذ بعض الوقت، وهو أمر جيد، إذ ينبئ بأن الحكومة تتبنى إستراتيجية واضحة في هذا الشأن، ولا تفرضها عليها الظروف الراهنة.
حناجر الأردنيين أُرهقت على مدى سنوات طويلة، وهي تطالب باسترداد المال العام، وقانون الضريبة كان حاضرا للاستجابة لتلك النداءات، لكن أحدا لم يستندْ إليه وخسرتْ الدولة طيلة تلك الفترة مئات الملايين من الدنانير التي كان يجب تحصيلها من آلاف المتهربين ضريبيا. ومع ذلك، لم نعرفْ كلّ مسببات التراخي حينها، ولا نعتقد أن وزيرا بعينه قرر أن يخوضَ غمارَ هذه المعركة، في حين أنه يدرك جيدا أنها، ومهما كانت ذات فائدة، إلا أنها معركة طاحنة. من هنا، كان لا بدّ لنا من أن نعرفَ أن المسألةَ مرتبطة بقرار دولة.
خلال الفترة الأخيرة خرجت معلومات عن التعامل مع عدد من القضايا، وبحسب ما أكّده وزير العدل فإن القانون هو الفيصل، ووفق قاعدة أن “الجميع يؤمن بالعدالة كمبدأ وبالقضاء كملجأ”، وبلا شك فإن هذه القضايا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وقادم الأيام ربما سيكون مليئا بالمفاجآت. الأمر مرتبطٌ بمواصلة الحكومة تحركاتها بهذا الشأن، وأن لا يكون ما يحدث الآن مجردَ فزعة مؤقتة.
مسؤولون في الحكومة يروّجون إلى أن هذا التوجه هو نهج بدأ بشكل جدّي، ويستمر حتى ضبط التهرب الضريبي وجعله في حدوده الدنيا، أو في حدود النسب العالمية المقبولة، رافضين ما يردده البعض بأن ما يجري ليس إلا رد فعل تجاه الظرف المالي الحالي، وأن هذا الإجراء بمثابة الملاذ الأخير أمام الحكومة لإعادة الروح للاقتصاد الأردني، خصوصا مع الوضع غير المريح الذي تسبب به فيروس كورونا.
خيارات الفريق الاقتصادي لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز محدودة جدا، ولا تعوّض الخسائر المتعددة التي تعرضت لها موازنة الدولة، كما لن تعوضها العودة إلى الصِدام مع الشارع من خلال رفع الأسعار أو فرض ضرائب ورسوم جديدة.
ربما ليس مناسبا التوقفُ عند تفاصيل المسببات التي دفعت الحكومة للتوغل في بحر التهرب الضريبي ومواجهة أمواجه العاتية ما دامت تنجز المطلوب منها، هذا ما يريده الشارع، الذي يرفض الخلط بين البُعدين؛ السياسي والاقتصادي في هذا الإطار، كما يرفض أن تكون الإجراءات مؤقتةً أو موسميةً وغير دائمة، بل يريدها نهجا لا يتغير، وهو ينتظر في الوقت ذاته إجراءات على أرض الواقع تستهدف كل المتهربين ضريبيا ممن غفلت أعين الحكومات عنهم طيلة الأعوام الماضية.
حتى اليوم لا نعلم كم هو حجم التهرب الضريبي، وكم من الممكن أن يشكل رافدا لخزينة الدولة، لكن بكل تأكيد فإن أي مبلغ يتم تحصيله لا بد وأن يكون قيمة مضافة من جانبين؛ الجانب الأول يتمثل في أن موازنة الدولة تُبنى دائما على فرضيات للمنح والمساعدات، وإيراداتنا المحدودة، وكوننا فقدنا الكثير من تلك الإيرادات خلال أزمة كورونا فإن تلك المبالغ لا بد أن تسهم في تحريك الموازنة قليلا، بالإضافة إلى قيمة هذا التحرك المعنوي وانعكاساته على الشارع العام، وتحقيقه لمبدأ العدالة وسيادة القانون.
قياسنا الحقيقي لنجاح هذا التوجه، هو باستمراريته كنهج مؤسسي، وإرادة تواصله، وعدالته وشموليته، لا أن يكون تحركا لاستهداف أشخاص معينين، وفي غير ذلك سينعكس أثره بشكل وخيم على ثقة الشارع بالحكومة، وهي ثقة في أساسها تفتقد إلى المتانة المطلوبة.