الزميل المعاني يكتب : الذكرى الحادية والعشرون لرحيل سيد الرجال
كتب الزميل : سليم المعاني
في مثل هذا اليوم قبل ٢١ عاما رحل سندي
رحل شقيقي الوحيد كمال
بداية مايو ١٩٩٩ زرته ففوجئت انه طريح الفراش
لازمته يوميا
وكنت اغادره إلى بيتي في ساعة متأخرة
واعود إليه في اليوم التالي
كان قلبي يتقطع وهو يرجوني كطفل يريد سيجارة
اول ما طلب السيجارة برجاء بكيت
خرجت من غرفته إلى الصالون وذرفت الدموع بمرارة
أخي الذي كان الرجال يهابونه ويفرون من أمامه
هكذا ضعف!!
نزلت إلى السوبر ماركت واشتريت باكيت دخان واعطيه سيجارة وتناولت انا الأخرى بعد انقطاع عن التدخين زهاء تسع سنوات ٠٠٠
اخذت زوجة أخي وأولاده يبذلون جهدهم الا اعطيه سيجارة لأن الطبيب منعه
كنت أدرك في قرارة نفسي انه يقترب من النهاية
واستمر الحال لمدة شهر تقريبا
في الليلة قبل الأخيرة ناولته السيجارة فوقعت من بين أصابعه
تناولتها واعطيته اياها ثانية فوقعت ثالثة ورابعة
أدركت أن أعصابه وهنت بحيث لم يعد قادرا أن يمسك السيجارة!!
طفقت امسكها بيدي واقربها من شفتيه إلى أن انتهت
وهكذا فعلت في سجائره المثالية
في الليلة الأخيرة غادرته بعد منتصف الليل إلى منزلي ببيادر وادي السير حينذاك
استيقظت في الساعة الثانية والنصف على رنين الهاتف وجاء صوت عبدالله أصغر أبناء أخي ينقل لي أن رب العزة استرد أمانته
توجهت إليهم إلى مستشفى الملكة علياء وانا إذ ف الدموع بحرقة
لا يدرك لوعة فقد الشقيق الوحيد الا من مر بنفس التجربة
روح انعتقت عن روح
غادر من كان القدوة والمثل الأعلى ومصدر الحكمة
انقطع عن تعليمه في المرحلة الاعدادية رغم تفوقة وذلك بسبب ضيق يد الوالد رحمهما الله
انتسب إلى سلك الجندية في جهاز الشرطة
خدم بدائرة السير التي كانت في عمارة متواضعة على زاوية شارع القصور الملكية بشارع المحطة
ثم نقل إلى سجن المحطة بعمان
ثم نقل إلى دائرة المباحث العامة
ثم أصر على الاستقالة فاستقال من الدائرة
سألته قبل أعوام َ من وفاته عن سبب استقالته
قال لي : كلفني مدير الدائرة بمهمة
أنجزتها خلال أسبوع وقدمت له تقريرا زاخرا بالمعلومات
قرأها وابدي استهزاءه بالتقرير والمعلومات وتجاهلني تماما بعد دخول زميل آخر
ويتابع : انسحبت بخذلان كبير بعد أن كان استقبلني بحفاوة عندما استدعاني اول مرة وتجاهلني بشكل كبير في مقابلتي الثانية له!!
ويقول بعد اسبوع واحد حدثت أحداث وافقت تقريري السابق َمائة بالمائة
استدعاني ثانية المدير وحضنني مشيدا بادائي وبمهنيتي وسألني هل لك طلب اطلب ما تريد
فاجبته نعم لي طلب
قال وما هو سانفذه لك
فتجرات وقلت له بشرف سيدنا ستنفذه
أجاب بشرف سيدنا
قال قبول استقالتي
فجن جنون المدير وقال لماذا؟ لماذا؟
وحاول أن يردعه عن الاستقالة
فاصر أخي
وهنا قال المدير لن أقبل استقالتك من الجهاز بل سانقلك إلى مديرية الأمن العام وهكذا كان
سألت أخي ولماذا قدمت استقالتك
فأجاب بمنتهى الحكمة : عندما تختل الثقة ولو لمرة بينك وبين مديرك فيجب أن يغادر أحدكما وبما أن المدير لا يغادر فوجدت أن من كرامتى أن أغادر الدائرة ٠
َومن الأمن العام انتقل الى مديرية الدفاع المدني في زمن الرجال آلافذاذ كان قاسم باشا الناصر مديرا وتركي باشا الهنداوي ناىبا له
في مديرية الدفاع المدني كلفه قاسم باشا بأن يتولى مهمة المدير المالي فرفض
أصر عليه قاسم باشا لكن إصرار أخي كان كبيرا
قال له قاسم باشا انت ترفض الأمر العسكري ثم أمر أن يضعوه في القطعة (وهي سجن عسكري داخل المديرية)
سارع المرحوم فريد الجراح وكان مدير مكتب قاسم باشا فترجاه أن يحجزه بنادي الضباط وليس بالقطعة احتراما لشخصيته وهكذا كان ٠
وفي عهد المرحوم خالد باشا الطراونة تولى مهام مدير مكتب المدير ومدير المرتب
ذات مهمة تفقد مديريات الدفاع المدني في المملكة كان بمعية خالد باشا خلال زيارته لمدينة العقبة
وعندما عادوا إلى عمان مع الغروب قال له خالد باشا يا كمال عايزك بعد الصلاة لا تغادر المديرية
وبعد الصلاة استدعاه خالد باشا فذهب إليه وقال : كمال اكتب كتاب وقبل أن يكمل خالد باشا جملته اجابه ها هو سيدي قال ما هو؟ فمد له كتاب بإحالة مدير دفاع مدني العقبة إلى التقاعد فذهل خالد باشا قائلا له : وصل بك الأمر أن تقرأ أفكاري!!
في مطلع السبعينات اشتري ٣٠٠ متر في حي العبدلات يوم ما كان في الحي سوى بيت واحد فقط وبني بيتا متواضعا خلال البناء احضر له سائقه مبلغ ٥٠٠ دينار وحاول إعطاءها لأخي سأله لماذا هذا المبلغ فرد عليه انت تبني ومحتاج فلوس خذها قرض حسن مني فقال له بحزم ومن قال لك اني بحاجة فلوس ضب فلوسك
سألت أخي ألم تكن بحاجة فلوس؟
قال نعم كنت بحاجة لكن انا اقترض من ضابط مثلي مثله أو أعلى مني رتبة!!
سمع مرة أن سائقه يدرب ابنه على سيارة الدفاع المدني وعندما تأكد من ذلك قل لسائقه ذات صباح عندما وصلوا الي المديرية الحقني على مكتبي فتبعه سائقه دخلا المكتب وأغلق أخي المكتب ووضع المفتاح في جيبه وشلح القايش وبدأ يضرب السائق وهو يصرخ باعلي صوته من الألم فزع الضباط الذين كانوا في مكاتبهم وحاولوا فتح المكتب دون فائدة ولما فتح أخي الباب ذهلوا وقال للسائق هذا علشان تدرب ابني على سيارة الحكومة ٠
من صفاته التي يعرفها عنه كل من يعرفه انه لم يرد صاحب حاجة في حياته
واذكر عندما رافقته في حج عام ١٩٧٤ وبعد أن ذبحوا الأضحية لأجل التحلل هو ومحمود باشا التل وفريد الجراح اخذ لحم الأضاحي وكان يوزعها على فقراء مكة في بيوتهم
من أصعب المواقف التي مرت عليه في حياته وفاة ابنه البكر إحسان
كان يسكن بسفح جبل القلعة حيث الدرج الطويل الواصل بين جبل القلعة ووادي الحدادة
وكانت أزمة انقطاع المياه قد بدات في عمان أوائل الستينات
قال له جاره وهو عديله بأنه سيحضر خزانا من المياه
سأله أخي وكيف ستوصله إلى بيتك وهو في أوسط الدرج
اجابه عديله بأنه سيحضره من أعلى الدرج
نصحه أخي إياك ثم إياك أن تنزل الخزان لوحدك لكيلا يفلت منك ويصيب احد أطفال الذين يلعبون دائما على الدرج ٠
كنت انا حينها في المستشفي العسكري بماركا
زارني اخي
ثم ذهب لزيارة الوالدين بحي المهاجرين
وصلى المغرب في الجامع الحسيني
وعاد إلى بيته سيرا على الاقدام
عندما وصل أسفل الدرج وجد كبار رجالات العشيرة يقفون ينتظرون عودته إلى البيت
أدرك أن في الأمر شيئا
سالهم ما الامر؟
هل مات سليم
ام احد الوالدين؟
قالوا له ابنك إحسان وقع
رد عليهم قولوا الحقيقة
فاخبروه
سأل عن عديله
فقالوا موقوف في قياد.ة شرطة العاصمة
فاصر علي أن يذهبوا ويطلق سراح المتسبب في الحادث قبل أن يصل ولده المتوفى بالمستشفى
فبكى قائد الشرطة من الموقف
لعب دورا مهما ومفصليا في حياتي
له الفضل انه كان يحثني على القراءة والكتابة
إبان مطلع مرحلتي الإعدادية كتب عدة موضوعات وكان ينشرها باسمي في مجلة الشرطي مما حفزني على هذا النهج
وحول مستقبلي كله
حال دون هجرتي لأمريكا مرتين وألمانيا وأستراليا وكندا حيث كنت سادرس الطب
واستطاع أن يحصل لي على منحة دراسية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
وبعد التخرج حاول أن يقنعني بالعمل في دائرة قاضي القضاة لأصبح قاضيا فقاومت ورفضت بشدة والان أشعر بالندم اني ما استجبت له
بعد وفاته احضر الشيخ عبد القادر الشيخ رحمهما الله وصيته وقراها علينا فابكي كل من استمع إليها
خلف من الأبناء إحسان رحمه الله والدكتور مصطفى ورجل الأعمال عمر والعقيد عبد الله
ومن البنات المرحومة بثينه ووفاء زوجة السيد رامي ابو حمور
وصل إلى رتبة عقيد وقبل وصوله الستين عاما َن عمره أحيل على التقاعد
رحمه الله رحمة واسعة وانزله الفردوس الأعلى من الجنة بإذن الله تعالى مع الأنبياء والشهداء والصديقين وحسن اولئك رفيقا