د. علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى *** أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، أبدأ معكم من جديد بـ(شذراتي العجلونية)، نتذاكر في كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.
ها قد اقترب موسم العنب، وهو سيد فواكه الصيف، وستكون شذراتي لهذا اليوم عن تقليم أشجار العنب، مع أنه موسم قطاف ثمار العنب، ولعمري أن جلسة في بساتين عجلون تُعَدُ من جلسات العمر.
أنا فلاح وأبوي فلاح وأمي هي كمان فلاحة
نعم أنا مزارعٌ، وفلاحٌ ابن فلاحٍ، أقولها بكل فخر واعتزاز، وأكتب في موضوع زراعيٍ رغم أن الزراعة كانت عندي بالوراثة، وليست مهنة لي، كغيري من أبناء القرى الأردنية، الذين يهجر أغلبهم الزراعة عندما يصلون المدن، أو المرحلة الجامعية، إلا قلة قليلة تتخذها هواية لتتذكر الماضي.
أعتقد اعتقاد اليقين، بحكم جذوري الزراعية؛ أن موسم تقليم الأشجار – وهو موضوع شذرتي لهذا اليوم- لم يحن بعد، لأننا ما زلنا في الصيف بعيدون عن موسم التقليم، بل لقد اقتربنا من موسم العنب، في آب اللهاب (اقطع القطف ولا تهاب)، لكن يبدو أن كثرة تقلبات الجو جعلتنا نخلط الأوراق، إذ أصبحنا نرى التقليم واضحاً، فهل نستعيض بتقليم الفساد، عن تقليم الوهاد.
التقنيب (التقليم)
إذن؛ فلنتحدث عن التقليم، أو ما نسميها كفلاحين القنابة، وهي عملية يجريها المزارعون في فصل الشتاء للأشجار المثمرة، وتُعَدُ إحدى أهم وسائل تقوية النباتات والأشجار المثمرة؛ لأنها طريقةٌ عملية للتخلص من الأغصان التي تنمو بشكل لا يعجب المزارع، أو الأغصان التي تنمو في غير الاتجاه المطلوب، مما يجعل الغصن ضعيفاً، ولن يكون ذو جدوى للمزارع في المستقبل.
لذا يضطر أصحاب المزارع من الفلاحين، أو كبار الملاك الذين يستعينون بأصحاب الخبرة لقص الأغصان الضعيفة، أو الأغصان التي تنمو نمواً مخالفاً، ولا تستجيب لعمليات التقويم، بعد التقليم التي يجريها المزارع، أحياناً كنا نضع حجراً لو وزن معتبر كي يسير الغصن بالاتجاه المطلوب، فما هو الثقل الذي سنضعه على المفسدين حتى يستقيموا.
قص الغصن ع الرابع
ليس بالضرورة أن تكون عملية القنابة علمية، ولكنها تراكمت الخبرة عبر السنين، التي تسمو عند البعض على كل الشهادات العلمية، يجب أن ينظر من يقوم بعملية التقنيب أن ينظر إلى جذر الغصن، ويقوم بعد العُقَد عداً، عند العقدة الرابعة يجب عليه أن يقص ما بعدها، كي يتسنى للشجرة أن تُنْبِت غصناً جديداً أقوى وأينع من سابقه، غصناً محملاً بالثمار التي ضَعُفَ الغصن السابق عن حملها، أو لينمو الغصن الجديد بالاتجاه الصحيح، أو الاتجاه المقصود الذي يريد صاحب المزرعة السعيدة، وبهذا يحقق مالك المزرعة ما يريد.
سناسل وقطاعيات
هل نحن أمام مرحلة (عملية) تقنيب للفساد، وأنه سيطال فروعاً متشعبة، طال اعوجاجها، أم أنها عملية إعادة هيكلة وصياغة بطرق أحدث، نظراً لما تقتضيه المصلحة العامة، أم ستكون هناك مشاريع جديدة في المنطقة، تدعمها الجهات المسؤولة عن الزراعة؛ لإعادة استصلاح وتأهيل التربة بشكل كامل، المشاريع الجديدة دائما يجب أن يكون فيها حواجز رئيسية، وحواجز فرعية، سناسل وقطاعيات.
السناسل هي الجدران الاستنادية الكبيرة وجميعها من الحجارة، ولكنها تستخدم لوقاية الانجراف في المناطق شديدة الانحدار، أو تستخدم سوراً خارجياً لحماية الحديقة، وكذلك القطاعيات هي من الحجارة، ولكن طولها أقصر، و حجمها أصغر، وفعلها أكبر، لأن الانحدار قد يكون خفيفاً، ولا يحتاج كمّاً كبيراً من الحجارة.
في المشاريع الجديدة تصبح الأرض صالحة لزراعة ثمار حقيقية، دون استخدام أي من الهرمونات، أو الفيتامينات، التي تنفخ المحاصيل، وتعطيها حجماً أكبر من حجمها الحقيقي، أو التي تظهر الثمار بمظهر حسن، وهي غير ناضجة، أو ربما غير صالحة للاستهلاك البشري.
محاسبة مانديلا
كل هذه المشاريع من تقليم وبناء حواجز وسناسل، وسواتر لحماية الأرض، ومنع الانزلاق نحو منحدرات صعبة، تحتاج نفقات، وتحتاج محاسبة دقيقة ومنصفة، وإنني في نهاية المطاف أرى أن أفضل محاسبة، تعطي المواطن راحة نفسية، وبيئة إيجابية، هي تطبيق المحاسبة على مذهب نيلسون مانديلا، أو المكاشفة من أجل المصالحة الوطنية، وليس من أجل معاقبة أحد، وليست لتقطيع الأيدي، لأننا نريد توجيه البوصلة إلى وجهة صحيحة سليمة، وأن نضع صخرة كؤود على رؤوس المفسدين، وفوق العود كي يستقيم، ويسير باتجاهٍ صحيح في قابل الأيام، فالمواسم كثيرة، نريد أن نقطف ثمار العنب اليانع بأنواعه، من مثل: الزيني، والأسمر، والأخضر، ونريد تطبيق الشفافية في المحاسبة؛ لأن عدم تطبيقها سيؤدي إلى تفاقم المشكلة، فيتسع الخرق على الراقع، نسأل الله العظيم أن يطهر أردننا من كل أنواع والفساد والمفسدين.
إن غداً لناظره قريب