قد لا تزيد المسألة عن مجرد شغب موسمي، وقد تكون منطلقة من قواعد لعبة التغيير المألوفة في الأردن، حيث تسريبات بين الحين والآخر بهدف إعادة إنتاج صورة الحكومة لإضعافها… والاحتمالات، في كل حال، واردة؛ فالاستحقاق الدستوري الأردني بانتظار حسم ملف البرلمان وموعد الانتخابات، الأمر الذي يحسم بالنتيجة ملف بقاء أو رحيل الحكومة الحالية برئاسة الدكتور عمر الرزاز. لا توجد أدلة أو قرائن قوية تدعم سيناريو التغيير الوزاري الوشيك، لكن مؤشرات النميمة السياسية واشتعال بورصة الأسماء وأسهمها مؤثرات صوتية في المشهد الموسيقي السياسي الأردني، تولد فجأة لغرض – على الأرجح – لا يتجاوز إقلاق الحكومة والإيحاء بقرب الرحيل. يمكن تحت هذا العنوان قراءة الاسم الذي صعد بقوة خلال الساعات القليلة الماضية، وهو رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، بديلاً عن الرزاز، لتشكيل حكومة جديدة، وهو خيار لا يمكن حسمه، وإن كان الفايز نفسه منذ شهر تقريباً يوحي في الأوساط القريبة منه إلى أن فرصة بقاء البرلمان لفترة أطول أضعف من أي وقت مضى. يحاول الرئيس الرزاز الصمود بطاقمه وسط سلسلة معطيات ورمال متحركة لها علاقة مرة بالاقتصاد وتداعيات فيروس كورونا، ومرات بالوضع الإقليمي الصعب وتحديات مشروع الضم، وفي أغلب الأحيان لها علاقة بالقرينة السياسية الوحيدة التي ظهرت مؤخراً عبر استبعاد تام لانعقاد دورة استثنائية من أي نوع لمجلس النواب الحالي، الذي يصفه رئيسه عاطف الطراونة بأنه وصل إلى منطقة شبه الرحيل.
يتوقع الخبراء السياسيون طوال الوقت، بأن تنطلق الصافرة لحسم معادلة الانتخابات قريباً ضمن المحددات الدستورية وبعيداً عن الاعتبارات الإقليمية والدولية، وهو حسم سيعني مباشرة تبديل وتغيير وقائع نخبوية على الأرض وإبدال في النكهة والتركيبة، كما يعني أيضاً الإطاحة ببعض الرؤوس وبروز رؤوس أخرى، مع أن الأجندة الاقتصادية لحكومة الرزاز متواصلة وتمضي في سياق معادلة توحي بأن البرنامج الاقتصادي على الأقل مستمر. يعني، في المقابل، أن الحملة التي تشن تحت عنوان تحقيقات تطال برلمانيين بارزين مؤشر على أن القرار اتخذ بعدم رؤية رئيس النواب الطراونة على منصة الرئاسة لاحقاً، وهو تموضع برلماني أصبح لاعباً أساسياً في المعادلة التي يتم تركيبها حالياً. الشائعات بدأت تنهك حكومة الرزاز. وقد اعتاد الأردنيون على أن جبهة الحكومة تضعف بالتدريج بنيوياً كلما ولدت من مكان غامض إشاعة ما وتداولتها الألسن وسط حالة بيروقراطية تميز أحياناً بين إشاعة مفبركة فعلاً أو تسريب مقصود سرعان ما يجد نفسه يملأ أحاديث الصالونات والأوساط السياسية. الرئيس الرزاز أطلق عبارة غامضة في مداخلته التلفزيونية الأخيرة رداً على سؤال لمذيع محطة «المملكة»، مشيراً إلى أن التعديل الوزاري لم يتقرر ولم يستبعد، وملمحاً إلى أن مشروع دمج الوزارات سيبرز لاحقاً. ثمة خطأ في التعبير يلاحظه خبراء هنا، فالتعديل الوزاري ورقة لها علاقة حصرية بتوقيت ورغبة وصلاحيات الملك، والرزاز يخرج بعبارته عن المألوف في هذا السياق، وإن كانت ورقة التعديل الوزاري التي يفترض بها أن تطيل عمر حكومته لم تحظ بضوء أخضر بعد، أو تأخرت جداً في مفارقة قال أحد الوزراء لـ «القدس العربي» إنها توحي ضمنياً برحيل وشيك ضمن آلية المحددات الدستورية التي تعني بدورها حل البرلمان كمقدمة لترحيل الحكومة. وسط هذه الألغام يعمل الرزاز اليوم. وإذا كان رئيس النواب الطراونة قد صرح منذ أسبوعين بأن مجلسه في ربع الساعة الأخير، فإن الحكومة قد تكون في الربع الأخير من ساعتها أيضاً، أو ينبغي أن تكون، كما يقترح الناشط السياسي والإسلامي مروان الفاعوري. ووفقاً للمنهج الاستباقي، يبدو واضحاً أن بعض النباتات تحرق في حديقة الرزاز، فطاقم استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية يجتهد إعلامياً فجأة في عرض أرقام حول مدى شعبية الحكومة وتقييم أدائها. والغطاء يرفع بالتدريج على الأقل في بعض المساحات الإعلامية القريبة من السلطات الرسمية، والملفات يعمل عليها مستشارون أو حلقات قرار عابرة للحكومة، والقطاع الخاص غير راض، والمبادرات التنفيذية تعيق الاستثمار. صحيح أن حكومة الرزاز حققت نجاحات لا يمكن إنكارها في مجال التصدي للفيروس، لكن الصحيح أيضاً أن تداعيات الفيروس الاقتصادية -كما يؤكد النائب والخبير الاقتصادي الدكتور خير أبو صعليك- كبيرة جداً وتحتاج إلى عمل وجهد مكثفين، وإلى أداء بمستوى التحدي يخرج عن المألوف والعلبة الكلاسيكية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. فتح الرزاز عش دبابير في أكثر من جبهة، وهو يناضل من أجل البقاء والتمكن من الإشراف على الانتخابات المقبلة، حيث وصفات تحاول الاجتهاد في نصوص دستورية محسومة تخص السلطة التشريعية. الجبهة المتضررة من المداهمات الضريبية وتحقيقات المال والفساد المالي تغرق حكومة الرزاز بالجدل، وأحياناً بالشد العكسي، والملاحظات تتراكم من قبل رموز مهمة في القطاع الخاص بذريعة اختطاف ميكروفون الحكومة لصالح فئات دون أخرى في القطاع الصناعي تحديداً، وفي القطاع البنكي أيضاً. على الجبهة المدنية والحقوقية لا يفعل طاقم الرزاز، وهو نفسه أيضاً، شيئاً لاحتواء جدل الشارع بعد الاعتقالات ذات الطابع السياسي والتي نمت قليلاً في ظل تمكين الحكومة من تفعيل قانون الدفاع. الاشتباك صعب ومعقد مع الواقع اليوم. والاسترسال في إجراءات شعبوية مثل تسليم مركبات الدفع الرباعي والتهويل في قضية استعادة الأموال العامة، قد لا تكون وصفة مميزة للبقاء أكثر مما ينبغي وسط الرمال المتحركة.