اسعد العزوني
لدى إستعراضنا ملف المجاهد القومي القائد عبد الله التل – بطل معركة القدس عام 1948،الذي أجبر بصموده وصمود من كانوا بمعيته يدافعون عن القدس ،حامية يهودية عسكرية مدججة بالسلاح ،يقودها الجنرال موشي روزينغ على الإستسلام ،ووقعوا معه وثيقة إستسلام بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة،كما أن الجنرال روزينغ قدم له مسدسه الشخصي إمعانا بالإستسلام،في سابقة لم يسجلها جيش عربي بعينه –نجد أن هذا الرجل الرمز،لم يكن قائدا عسكريا جامدا يحمل بندقية او يعطي الأوامر فقط،بل كان يتمتع بحس سياسي ولديه المقدرة على إستشراف المستقبل،بمعنى انه كان قائدا عسكريا ألمعيا ورجلا سياسيا محنكا،وهذه ميزة لا توجد إلا من كانوا على شاكلته أمثال القائد الرمز مشهور حديثة الجازي الذي دافع عن فلسطين والأردن ،وصد بالتعاون مع الفدائيين الفلسطينيين غزوة الأعور دايان ربيع العام 1968،وسجل الأردن والفدائيون نصرا مؤزرا في تلك المواجهة التي كانت أول وحدة عربية حقيقية على الأرض.
لم نسمع عن قائد بمستوى عبد الله التل وصل إلى مرتبة القيادة وهو يتمنطق بالسياسة سوى القائد الجازي كما أسلفنا ،ولذلك فإنهما مخلدان في ذاكرتي الشعبين التوأم الأردني والفلسطيني،وكان القائد التل لديه قدرة الإستشراف وبعد النظر وقراءة المستقبل،ولو كان الأمر بيده لما سقطت القدس ،وما تزال محتلة يهتك سترها كل يوم ،ويتم تدنيس أقصاها على الدوام ،فالمؤامرة الدولية أقوى منا جميعا،في حين ان أمة المليار يتسابقون يوم الجمعة على الوقوف في الصف الأول طمعا في مغفرة من الله ورضوانه،وقبل أيام طلع علينا أراذل الأمة بمشروع تطبيعي رخيص مع مستدمرة إسرائيل الخزرية ،يتضمن نقل المسلمين الراغبين بالصلاة في الأقصى من أبو ظبي إلى تل أبيب ،وهو في باطنه وحتى ظاهره مشروع تربح يرتقي إلى مرتبة القوادة والدياثة.
نتحدث في هذا المقال عن موهبة الإستشراف التي كان يتمتع بها القائد عبد الله التل ،وكأنه يعيش بيننا في هذه الأيام الغبراء العصيبة ،التي تصدر فيها الرويبضة السفهاء الصفوف بعد تغييب قسري متعمد لرجالات الأمة تمهيدا لمثل هذه الأيام.
في لقاء له مع صاحب مجلة الحوادث اللبنانية السيد سليم اللوزي كبير الصحافيين العرب عام 1972 ،مستشرفا واقعنا العربي المخزي أنه :” سيأتي يوم ليس ببعيد ترفرف فيه الأعلام الإسرائيلية فوق العواصم العربية،ومن حسن حظي أنني لن أكون حيا في مثل ذلك اليوم “.
لا يعلم الغيب إلا الله جل في علاه،ولكن المجاهد عبد الله التل كان يتمتع بدرجة من الوعي والنزاهة،أهّلته كي يقرأ الواقع بعد خمسين عاما ،وقد صدق حدسه وها هي الأعلام الإسرائيلية ترفرف فوق العواصم العربية واحدة تلو الأخرى بعد سقوط قاهرة المعز،ومن لم ينزع ورقة التوت اليوم،يتوسل لهم كي يعطوه فرصة لنزعها في الغد ،وهذا هو حال الأمة المتهالكة.