كالتي نقضت غزلها بعد قوة انكاثا، ففي أقل من 48 ساعة ضربت عقولنا جملة تحمل في طياتها مراسم التوبة، والإذعان ( وَقعت، لا ما وقعت) فاستحضرت عبارة ساذجة كانت قد عبثت في طفولة الكثيرين (بحبني، لا ما بحبني). حقيقةً ما يصعب فهمه وإدراكه هو هذا الذعر الصامت الذي دفع بعدد من الشخصيات العامة إلى لعق إمضائها بعد سويعات على رسالة رفعت الى ملك البلاد، وأشرت على اختلالات في نهج الإدارة العامة، وما رافقها من ركود في الأفق السياسي الاقتصادي والاجتماعي، في مبادرة تنم عن إدراك لحالة الركود في البيت الحكومي. أسئلة فرضت إيقاعها الحزين على من جفت صحائفهم : ما بالهم ينسحبون ؟ وأي سذاجة نعيشها ؟ كيف يمكن تفسير هذا الإنكفاء في الموقف والإرادة؟ ومن له مصلحة في إزاحة هذه الرسالة عن هدفها المعلن؟ وهل عملت ماكينات بعينها على توسيع الرتق والبحث عن العلياء في وجع الآخرين؟. الإجابة ستُلقى في غيابة الجب إلى أن يلتقطها السيارة ولو بعد حين . المُفترض أن ما حملته رسالة (السبت ) ليست أفكارا مجردة من أية دلالات أو سياقات، ولا أحلاماً جاءت في لحظة خلوة مع النفس .. بل هي قراءة لواقع بسط يديه وأصبح يتحدث عن نفسه بلا وسيط وبلا خجل أيضا. فحضر التوصيف بلا استئذان لعوالق وطنية عليها القدر الوافي من الخلاف والتباين والارتهان. وبعيداً عن تسجيل المواقف؛ فإن الحكمة والحصافة تتطلب من العقل غير المشكك أن يمتلك الأريحية الذهنية في التعامل مع هذه الطروحات في ظل حالة الإحباط والإفقار التي أصبح ينتمي اليها جل الأردنيين … هي مضامين لا يصعب تجسيدها في مقترحات عملية إذا كانت النوايا طيبة، والدعوة الى الحوار هي منهج حياة لا عناوين موسمية نلجأ إليها كلما خف وهج الصورة وضاقت مقاساتها. أما الأمر الذي لا يحمل شمسا من البصيرة هو أن الذراع التنفيذية للدولة ما زال يعتقد أن الحال في أفضل كمالاته بالرغم من تواتر نكساته في إدارة شؤون العامة، ولسانه ما زال ينطق : ما عليكم سوى الوثوق بنا ومد العطوة الى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ورغم الإسراف في تبسيط الواقع، إلا أن المفجع في أن الردة في المواقف أضحت هي السمة العامة لسياسيينا، وبقبولهم أن يسكنوا في وادي الغياب؛ فهذا التلون في الحضور يوطن لظاهرة الإنحناء المطلق، وباستحقاقية صناع القرار باجهاض كل بادرة ذات أثر قد تساهم في توسيع دائرة الفراغ الذي أوجدته فوضى السياسات والقرارات مدة من الزمن. والشائن الأزلي أنه وقبل أن يرتد الطرف الى أولئك الذي اجتهدوا في صياغة مضامين الرسالة ، ظهر النفي وبصيغة موحدة لا اجتهاد فيه مع صراحة النص “نفى فلان أن يكون وقع على الرسالة التي تم تداولها في بعض وسائل الاعلام والموجهة الى جلالة الملك”. لله دركم.. فالثبات عند السؤال غير كثيراً في المضمون أيضا . وأخيرا إذا أردنا أن نتجاوز معضلاتنا علينا بناء البيت الداخلي بطريقة تخلو من المحاصصة العاطفية؛ فالتضامن الوطني لا يتطلب إلا التقاء موازين القوى على هدف جامع، وهذا لا يتأتى في ظل حالة السكون و انعدام التبصر لدى المطبخ في مفهومه الشامل .