عريب هاني المومني
يحتفل العالم في 10 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام بيوم حقوق الإنسان، والذي يرمز إلى اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ذلك الإعلان الذي يعتبر الصك الأساسي الأول والأهم في ميدان حقوق الإنسان، فهذا الإعلان وعلى الرغم من أن الالتزام به هو التزام أدبي (بمعنى أن عدم الالتزام به لا يشكل أي مخالفة أو يرتب إيقاع المسؤولية أوالجزاء أو العقوبة) إلا أن أهميته تكمن في أنه أول توافق جماعي بين الدول في مجال حقوق الإنسان، يقوم على المساواة وعدم التمييز ويهدف إلى حفظ حياة الإنسان وكرامته بشكل رئيس، وبالأخص بعد الويلات والآثار السلبية والمآسي التي شهدتها الإنسانية جمعاء وخلّفتها الحرب العالمية الثانية. ويعتبر هذا الإعلان الوثيقة الأكثر ترجمة في العالم فقد تم ترجمته إلى أكثر من 500 لغة.
إن المتتبع لحقوق الإنسان منذ نشأتها وحتى يومنا هذا يلاحظ تطور هذه الحقوق بما يتواءم ويتفق مع الأحداث والمستجدات الحاصلة، فقد تغيرت النظرة التقليدية والتصور القديم لبعض الحقوق والمفاهيم ذات الصِّلة بحقوق الإنسان، كما أنه تم إدخال وتنظيم العديد من المفاهيم والحقوق في هذا المجال مثل مواضيع الإرهاب الدولي والتنمية المستدامة والتعايش والتضامن العالمي، وكذلك العيش بسلم دائم والحفاظ على البيئة والتمتع بالتراث الثقافي والانساني والتاريخي والثروات الطبيعية. كما يلاحظ زيادة الاهتمام والتركيز على مواضيع حقوق الإنسان بشكل أكبر من السابق في الوقت الحالي.
وبعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تم إبرام العديد من الاتفاقيات والمواثيق منها تلك التي توفر حماية عامة للجميع وأخرى توفر حماية خاصة لفئة معينة أو تنظم حقاً محدداً، فقد تم اعتماد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعتبر أهداف التنمية المستدامة 2030 من أهم الأسس والركائز حاليا في هذا المجال والتي جاءت نتيجة للتطورات الحاصلة في الوقت الحالي.
ويعتبر هذا اليوم فرصة للمهتمين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان للتأكيد على هذه الحقوق وأهميتها وضرورة احترامها، وفرصة جيدة للدعوة إلى التمسك بها وإلى وقف الانتهاكات الحاصلة في العديد من الميادين والكشف عن مواطن النقص فيها، بالإضافة إلى اتخاد ما يلزم من إجراءات لتعزيز وغرس هذه الحقوق وضمان إعمالها وتنفيذها.
وقد اعتمدت منظمة الأمم المتحدة موضوع احتفالية عام 2020 بعنوان “إعادة البناء بشكل أفضل – قوموا ودافعوا عن حقوق الإنسان”، ويتعلق هذا الموضوع لهذا العام بما يواجهه العالم أجمع حالياً وهي جائحة كورونا، فيعتمد هذا الموضوع على إعادة البناء بمختلف المجالات بشكل أفضل من خلال التركيز على حقوق الإنسان واعتبارها أحد الركائز الأساسية في نسق العلاقات الدولية وكذلك في التعاملات الداخلية للدول والتأكيد على ضمان وجودها في جهود التعافي من هذه الجائحة وما رتبته من آثار سلبية في مختلف الميادين، فالعالم أجمع لن يصل إلى الأهداف العالمية في حال عدم خلق فرص متكافئة ومتساوية للجميع.
ولا بد من الإشارة إلى أن جائحة كورونا كشفت العديد من مواطن النقص والقصور في حقوق الإنسان وتطبيقها على أرض الواقع. كما أكّدت هذه الجائحة على التصور المتعلق بترابط العائلة الدولية وأن أي عمل أو حدث في مكان ما من السهل جداً أن يؤثر على أماكن ودول أخرى، فهذا يؤكد ما يتضمنه الجيل الثالث من حقوق الإنسان من مبادئ وأفكار تتعلق بالتضامن والتكافل والإنسانية، وكذلك ما تهدف إليه ما يعرف بأهداف التنمية المستدامة 2030 والتي تضمنت سبعة عشر هدفاً تشمل مختلف المجالات أهمها القضاء على الفقر والجوع، والتمتع بصحة جيدة، والحد من أوجه عدم المساواة.
فهذا الوباء أكد على حقيقة مفادها ضرورة تضامن وتعاون الجميع من أجل مواجهة الأخطار والمآسي وأي أحداث سلبية قد تواجه العالم من أجل تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على كوكب الأرض وموارده من أجل الأجيال القادمة.
كما شمل موضوع الاحتفالية لهذا العام دعوة الأمم المتحدة الجميع للدفاع عن حقوق الإنسان، كل بحسب موقعه وقدراته وسلطاته. فمن الواجبات المهمة في هذا الصدد هو احترام هذه الحقوق والعمل بها ودعوة الآخرين إلى احترامها والتقيد بما جاء بها.
وبالتالي، فإن حقوق الإنسان أضحت أحد أهم الركائز الأساسية في التعاملات وفِي مختلف المجالات مما يستدعي ضرورة غرس ثقافة حقوق الإنسان لدى الجميع وخاصة الأطفال، وتطبيق هذه الحقوق على قدم المساواة ودون أي تمييز، لأنه بدون هذه الحقوق والمعايير الأساسية لن يحقق العالم التقدم المنشود وأهداف التنمية المستدامة. ويستلزم ذلك إجراء مراجعة دورية لهذه المعايير واتخاذ ما يلزم من تعديلات لتتواءم مع المستجدات وما يحصل من أحداث جديدة وذلك تعزيزاً ومراعاةً لأهم خصائصها وهي العالمية والشمولية والتكاملية.