جثمان الفنان المخرج حاتم علي يوارى الثرى
ودّعت دمشق، الجمعة، المخرج البارز حاتم علي إلى مثواه الأخير في تشييع شعبي حاشد، بعد وصول جثمانه من القاهرة حيث وافته المنية الثلاثاء إثر نوبة قلبية.
وغصّ جامع الحسن في دمشق بالمصلّين، وحمل بعضهم صوره. وفور خروج النعش من الجامع، بدأت الحشود بالتصفيق والتكبير، وتعالت الهتافات مرددة اسمه.
وسارت عشرات السيارات في موكب التشييع الذي جاب شوارع دمشق، قبل أن يصار إلى دفنه في مقبرة باب الصغير.
وغصّت حسابات منصات التواصل الاجتماعي السورية والعربية بنعي المخرج الذي أثرى المكتبة الفنية العربية ببعض من أشهر الأعمال التلفزيونية خلال العقود الأخيرة.
وشكّلت وفاة علي المفاجئة داخل غرفته في أحد فنادق القاهرة صدمة، خصوصاً أنّه لم يكن يشكو من أي عارض صحي.
وفي مشهد قلّ نظيره منذ اندلاع النزاع في سوريا قبل نحو عشرة أعوام، أجمع السوريون موالين ومعارضين على مسيرته وإرثه الفني. ونعاه عشرات الفنانين من المقيمين خارج سوريا، بعضهم من الناشطين سياسياً ضد دمشق، وداخلها.
وكان في استقبال جثمانه في دمشق عدد من الفنانين السوريين بينهم شكران مرتجى وسلاف فواخرجي ووائل رمضان.
اكتفت نقابة الفنانين السوريين بإيراد خبر وفاة علي الثلاثاء، معددة بعض أعماله، من دون نعيه رسمياً، ما أثار انتقادات واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وكانت نقابة الفنانين فصلت المخرج الراحل من عضويتها مع نحو مئتي فنان سوري من ممثلين ومخرجين صيف 2015، بينهم وجوه تلفزيونية بارزة كجمال سليمان وتيم حسن وسامر المصري ومكسيم خليل وآخرين، بحجّة “تخلّفهم عن تسديد الاشتراكات المالية المترتبة عليهم”.
واشترطت النقابة حضور الفنان شخصياً لتسديد الاشتراك، وهو ما لم يكن متاحاً مع وجود عدد كبير منهم خارج البلاد إثر اندلاع النزاع. إلا أن فنانين وناشطين ووسائل اعلامية ربطت حينها بين قرار الفصل ومواقف الفنانين السياسية، سواء لعدم إعلان تأييدهم الصريح للحكومة السورية أو إطلاقهم مواقف سياسية مناوئة لها.
ولد حاتم علي في بلدة فيق في الجولان عام 1962 ونزح مع عائلته بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 إلى دمشق. تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1986 وتزوج من الكاتبة والممثلة دلع الرحبي.
وبدأ مشواره الفني في الثمانينات ممثلا، فشارك في مسلسلات (دائرة النار) و(الرجل الأخير) و(كهف المغاريب) و(الخشخاش) و(أحلام مؤجلة) و(الجوارح) و(العبابيد) و(الرجل س) و(التغريبة الفلسطينية).
في منتصف التسعينات تحول إلى الإخراج وكان شغوفا بالأعمال التاريخية والسير الذاتية فقدم مسلسلات (الزير سالم) و(صلاح الدين الأيوبي) و(صقر قريش) و(ربيع قرطبة) و(ملوك الطوائف).
قاده طموحه لتخطي الحدود الجغرافية فامتدت أعماله إلى أرجاء المنطقة العربية، حيث قدم في مصر مسلسلات (الملك فاروق) و(تحت الأرض) و(كأنه إمبارح) و(أهو ده اللي صار)، وفي الخليج قدم مسلسلات (صراع على الرمال) و(أبواب الغيم) و(عمر).
وفي السينما، قدم أفلاما روائية قصيرة وطويلة منها (العشاق) و(سيلينا) و(الليل الطويل) و(شغف) وغيرها.
وبدأ حاتم حياته الفنية كممثل مع المخرج هيثم حقي في مسلسل “دائرة النار” سنة 1988، لتتوالى بعدها مشاركاته في أعمال درامية جمع من خلالها بين الأدوار التاريخية والمعاصرة. وانتقل بعدها إلى الإخراج التلفزيوني في منتصف التسعينات، مقدّماً الكثير من الأفلام التلفزيونية الروائية الطويلة وعدداً من الثلاثيات والسباعيات.
واستقطبت أعماله اهتمام ملايين المشاهدين العرب. ومن أبرزها مسلسل “التغريبة الفلسطينية” و”الفصول الأربعة”، وهو من أشهر الإنتاجات التلفزيونية السورية في العقدين الماضيين.
وتميّزت أعمال كثيرة أخرجها علي بضخامة الإنتاج، بينها مسلسلات تاريخية تروي حقبات هامة في التاريخ العربي والإسلامي، أبرزها “صلاح الدين الأيوبي” الذي عُرض في 2001، و”الملك فاروق” (2007) و”عمر” (2012).
وكتب الفنان جمال سليمان الذي تعاون مع علي في أعمال عدة ويقيم في القاهرة وهو من أبرز الفنانين المعارضين لدمشق، عبر فيسبوك “رحيلك المفاجئ هذا أحدث صدمة كبيرة، وخلف حزناً ليس فقط بين أهلك وأصدقائك وكل الذين أسعدهم العمل معك وأضاف لمسيرتهم الكثير، بل في كل أرجاء الوطن العربي”.
ومن دمشق، استعاد المخرج الليث حجو مساعدته المخرج الراحل على تجديد جواز سفره السوري مؤخراً.
وقال “لم نكن نعلم حينها بأنه بالفعل كان بحاجته بهذه السرعة ليعود به الى دمشق للمرة الأخيرة محمّلاً بصندوق خشبي وجواز سفر لمدة عامين.. صالح مدى الحياة”.