مكرم الطراونة
أربعة تعديلات حكومية أجراها رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز، ومع كل تعديل كان هناك شبه اتفاق مسبق على أنه في غير محله، وقد كان الوقت كفيلا بإثبات ذلك، إذ لم تتمكن كل تلك التعديلات من إحداث فرق يذكر في أداء الحكومة السابقة لمعظم الملفات المعقدة حينها. للإنصاف كانت هناك منجزات بلا شك، ولكنها لم تستطع تلبية الطموح، ولا كانت متماشية مع التعهدات التي أخذتها الحكومة على عاتقها.
أمس، أصدر برنامج راصد لمراقبة الأداء الحكومي تقريره الأول الخاص بمراقبة أداء حكومة الدكتور بشر الخصاونة، وبينت النتائج أن 75.5 % من الأردنيين يرون أن هناك ضرورة لإجراء تعديل وزاري (44.5 % يريدونه بشكل كبير، و%23.4 بشكل متوسط، و7.6 % بشكل ضعيف)، لكن التقرير لم يظهر الأسباب التي دفعت كل هؤلاء لتبني هذا الرأي.
الأردنيون يميلون دوما إلى التغيير أو التعديل الحكومي، فهم اعتادوا على العمر القصير لرؤساء الحكومات والوزراء. هذا الميل، ربما، يعود إلى أنهم لا يثقون بشخص المسؤول مهما كانت هويته، وبالتالي لا يثقون بفريقه العامل معه، أو لأن منجز كثير من الحكومات لم يكن عند حسن ظنهم، ولا لبّى طموحهم، وقد فقدوا الأمل بمزيد من التجارب، أو لأنهم سئموا الوجوه ذاتها التي تقيم معنا منذ سنوات طويلة من دون أي أمل بأن نرى غيرها، رغم أن هذا الأمر تعدته فعليا حكومة الرزاز الذي جاء بوجوه جديدة من خارج “صندوق تدوير الوزراء”، إلا أنها، هي الأخرى، لم تسلم من النقد المسبق.
يكثر الحديث عن تعديل مرتقب على حكومة الخصاونة، والغالبية تشير إلى أنه سيكون في أعقاب إقرار الموازنة العامة، وهناك من يقول إنه تعديل يستهدف تخفيف عبء الحمل، مع إحلال محدود لوزير أو وزيرين (فريق الخصاونة يضم 31 وزيرا). لكن الأسئلة التي تتطلب الإجابة عنها بشكل علمي ومقنع، هي هل التعديل في هذا الوقت هو خيار صحيح، خصوصا أن الحكومة بالكاد بدأت عملها؟ ومن هو البديل؟ وبماذا يتميز القادم الجديد عما هو موجود اليوم؟ ولماذا اكتشفنا أننا بحاجة إلى هذا الإجراء بعد 100 يوم فقط من عمر الحكومة رقم 102 منذ إعلان استقلال إمارة شرق الأردن العام 1921؟
في تقرير موسع تنشره “الغد” في عدد اليوم للزميل ابراهيم مبيضين، وأشير إليه كمثال على أثر التعديلات والتغييرات المتواصلة في هيكل الحكومات المتعاقبة ومدى نجاعتها، فإن عملية التحول الرقمي عبرت 16 حكومة، وتبلغ من العمر 17 خريفا، وشهدت 8 إستراتيجيات يتم تعديلها باستمرار بحسب الوزير الموجود. هذه ضريبة ندفعها فيما العالم من حولنا بدأ بعدنا بالتحول الرقمي، ولطالما طلب الاستفادة من خبراتنا، إلا أنه تعدانا اليوم بمسافات شاسعة.
لست في معرض الدفاع عن الدكتور الخصاونة، ومن المبكر أيضا انتقاد أدائه مع مرور 100 يوم على تكليفه بمهامه، لكن كل ما أعرفه أنني مواطن أردني قد تجرع المر وهو يرى هذا البلد ينهب ويحرم من التقدم والتطور، يرى شعبه منهكا ماليا واقتصاديا، ويرى أيضا الأفق البعيد وقد طمسته رياح التغيير المتواصل دون أن تترك أثرا إيجابيا يجعلنا نواكب التحولات في العالم.
على ضوء ذلك كله، أرى أن المعادلة ينبغي أن تتغير كليا، فكل ما لا يتعارض مع الدستور مباح، أما تقييمات المائة يوم الأولى في عمر حكوماتنا، فهي “كماليات” زائدة عن الحاجة، وحبذا لو استطعنا دفع أعمار حكوماتنا، ولو لمجرد أشهر إضافية!.