رمزي الغزوي
قد يكون أن شباطاً شهر مزاجي مفرط في تلاعبه، كطفل نغنغهُ الدلالُ وأترعه. قد يكون أنه شهر متقلب لا قرار ليومه: فساعة يخبئ شمسه في قطن الغيمات المكتنزات العابرات لزرقة السماء، وتارة يعلنها قرصاً شهياً لذة للهاربين من رطوبة البيوت وسجنها البارد.
وقد يكون أن شباطاً شهر لا تؤمن ثلجاته أو مواعيد زخاته وهطلاته، لكنه شهر أكبر من مجنون وأكثر من حنون، فحتى لو (شبط) أو (لبط) ففيه توشحنا رائحة الربيع، وأولى ضحكاته: الدحنون.
فيا أيها المحبون للأرض والحياة. أيها العاشقون لشهقة الربيع الأولى، هذا دحنونكم الجريء، الأجرأ من قلوب العاشقين يبزغ من جديد، في رحلة ستكون قصيرة مخطوفة، كقبلة عند عتبة باب موارب. ولذلك يسمى زهرة الريح؛ لأنه ما يلبث أن يرحل بعيداً كالذكريات.
فتعالوا نقع في عشق هذا الأحمر الملتاع، ونقرأه شعراً أو نثراً أو صفاء وتأملا، فما زالت هناك أشياء صغيرة تكبّر لنا الحياة وتجمّلها وتعظمها في أرواحنا المتعلة. فهل راقبتم الدحنون كيف يهيج كعاشق هزه الحنين ثم يخبو كجمرة كتمها الرماد.
عندما مرَّ ملك الحيرة النعمان بين المنذر بن ماء السماء قرب الكوفة، رأى أرضاً واسعة تنبتُ زهراً جميلاً أحمر؛ فاستحسنهُ ووقع في غرامه، فقال لجنوده:احموه!؛ ومن يومها وأزهار الدحنون تسُمى (شقائق النعمان)، ويُقال أيضاً أن كلمة النعمان من أسماء الدم في بعض لغات العرب، والشقائق قطعه، فتكون شقائق النعمان بمعنى: قطع الدم، وكأنهم يريدون أن هذا الدحنون ليس إلا دم العشاق، الذي يخرج في كل عام متجددا؛ ليوقع الآخرين بعشق الحياة.
ولهذا، وقبل أن أقطف دحنونة، أمسح عن تاجها قطرة ماء؛ لأغسل دمع قلبي، وخوف خريفٍ آتٍ، فيا ترى، حزنُ من هذا الأحمر؟!. أو دمُ من وشَّى الأرض ذات حنين أو عند عشق؟!، وأيُّ صدىً هذا الذي يحملهُ النهر في تلافيف الشتاء؟!. أهو دم عاشقٍ مسفوحٍ كان يرعى قطعان الغيم هائما بنايه وقلبه؟!، ولهذا كانت الصبايا تكدّ وتضفِّر الدحنون جدائل محمومة وترميه في النهر المخضَّب؛ ليمتد الشتاء بطول دمعتين، والربيع بعمر زيتونتين شائختين.