رمزي الغزوي
جدائل النساء كانت أحيانا توصف بالحنشان، أي بالحيات السوداء الغليظة. أما حين تبدو الجدائل ممتلئة حيوية، فلا يجدون لها وصفاً إلا (حيول) الدوالي. أغصان شجرة العنب. ولهذا فبعض النسوة كن يتسللن إلى الكروم، في مثل هذه الأيام الدافئة من شباط؛ ليجمعن العصارة التي تنزُّ من الأغصان بعد عملية التقليم ويغسلن بها رؤوسهن على أمل أن تصبح الجدائل كالحيول وصهيل الخيول.
والدوالي كالنساء الحسان المليحات الجميلات، يتناقل صفاتهن الناس لسانا عن لسان. الكل يسعى إلى أن يحصل على حيل من دالية موصوفة بطيب عنبها، ويناعة ورقها، ومقاومتها للأمراض.
فهذه دالية خضارية مثلا سنزرع منها حيلاً في رأس البستان. وتلك عنبها (نقراشي) ييقرقش تحت الأسنان. ولا بدّ أن نزرع حيلاً آخر من دالية الجيران؛ فعنبها كأصابع العروس في ليلة حنائها. وهكذا يتداول الكرّامون صفات الدوالي كعطر يفوح، وحين يتحدث الواحد عن داليته يتيه زهوا وكأن يتحدث عن عشيقة غيداء.
ولأن شباط مزاجي. فلعى من يمتلك دالية، وأنا لا أكاد أصدق أن بيتا أردنياً لا يمتلك دالية؛ حتى ولو زرعها في برميل، أن يهب سريعاً ليقلّمها ويتخلص من أغصانها الميتة والضعيفة استعداداً لموسم جديد، قبل أن يباغتنا سعد السعود، وهو الجزء الثالث من خمسينية الشتاء، حيث تسري (المي) بالعود، أي تصير عصارة الشجر كثيرة. وعندها يصبح التقليم قتلا للدوالي.
حين ينتشر الفلاحون في كرومهم وبساتينهم بمقصاتهم المرهفة، تطربنا أغانيهم الهفهافة التي تلتحم بحب الأرض الباسمة بأول دحنونها. ويمرون بتأنٍ وقداسة من بين دواليهم رفعين جدائلها بلطف العشاق ويناغونها بهمس الكلمات. فالذي لا يُشعرُ داليته بأنها حبيبته الأولى والأخيرة، لن تعطيه من عنبها المشتهى.
لا أتوق أن تلقم (دوالينا) الهرمة المريضة المتعبة المتخمة بالأغصان الميتة، والتي أصابها العقم والتبلد منذ زمن، فهذه لا فائدة منها، ولا يرجى رجاؤها، بل أتوق لو (تشلع) من شروشها وجذورها، لنزرع بدلاً منها حيولاً من دوالي موصوفة بالمتانة والقوة؛ علنا نتجدد ونتمدد، وترتفع همتنا وتطيب بلدنا. هي أمنية شباطية والسلام.