رمزي الغزوي
وحده من بين كل النيران: الحب لا تترك ناره الأجاجة إلا جمراً يتوقد في سويداء القلب، جمراً لا يزداد إلا جمرا على حرق، أما نار النواب حامية الوطيس متلاطمة الوهج والوقد، والتي ستتحمحم في أروقة المجلس لمناقشة موازنة السنة الجديدة، فهي نار مختلفة تماماً ليست كالحب، بل نار ليست إلا جمرة ليل، ولا تلبث جمرات الليل أن تصبح رمادا.. ورمادا رطباً أحياناً!.
وإذا كانت نار إبراهيم العالية الألسن، حد حرق أجنحة الطيور الطائرة، قد نجا من براثنها خليل الله برداً وسلاماً، فكذلك الحكومة ستخرج من نار النواب بردا وسلاما، لإنها ببساطة نار صورية.
في كل موازنة تقتنص الفرصة ليصبح النقاش منبرا محشرجا لخطب نووية: أرض أرض وأخرى أرض جو وغيرها من الهجومات التكتيكية، حيث نائب يصعد لهجته على غير عادته، ويكشر عن أنيابه، التي نامت تحت ابتسامة حميمية زمنا طويلا.
الأصل أن نسمع تحليلات وبدائل وطروحات للخروج من مأزقنا الاقتصادية، لكن خطب الموازنات بالعموم نسمع بها ذات الكلاشية وذات الديباجة، والتي تصلح لتكون خطبة لكل موازنة قادمة، أو حتى فائتة، فهي مكرورة بعباراتها وأفكارها، فلم نلحظ وعياً واعيا في الاقتصاد ومفاصله ودقائقه، بالقدر الذي سمعنا خطبا لمختار يطالب بخدمات لمنطقته الانتخابية الضيقة، أي أن الخطب تبدو وكأنها لا توجه للمجلس وللحكومة، بالقدر الذي هي موجهة لمواطن الشارع، الذي يريد من يدغدغ عواطفه، وبهذا المطب يقع دوما أخوتنا النواب!.
نعود إلى النيران التي تأججت بداية المقال، فعند البدو نار تسمى نار(الزحفتين)، فإذا أشعلت نباتات خفيفة، مثل القش أو الشيح أو البلان أو القيصوم، فإن النار في أول أمرها ترتفع عالية حامية متلاعبة الألسن، مما يضطرك أن تزحف بعيداً عنها، وعن صلي حرها، لكن ما هي إلا لحظات، حتى تخمد وتفتر، فتضطر أن تزحف هذه المرة مقترباً منها، علك تجد دفئاً صار مفقوداً، ولهذا تسمى بنار الزحفتين!!.