رمزي الغزوي
الموناليزا أو الجوكاندرا من أشهر الوجوه الإنسانية في تاريخ الرسم، ومبدعها ليوناردو دافينشي يعد من العباقرة الذين خلدهم إبداعهم في عالمنا الفني. هذه اللوحة ما زالت للآن مثار جدل نقاشي، فهي وجه ما زال يقرأ بطرق شتى: فالبعض يرى أن الابتسامة الذائبة في هدوء شفتيها، ما هي إلا بسمة مكر وخديعة صفراء، فيما يصر آخرون إنها ابتسامة براءة وبساطة.
وبعض القراءات تدعي أن عيني الموناليزا ساحرتان، ففيهما من الحنان والروعة والجمال ما يدهش كل ذي لب، فيما آخرون لا يرون بهما إلا سذاجة عابرة، وعلى كل حال، فهذا العالم يحتمل بل ويتحمل كل اختلافاتنا وتبايناتنا وازدواجيتنا، فليس من الضروري أن يتفق الجميع حتى على الجمال نفسه، ولكنهم لربما يتفقون على أن للخير والشر وجهاً واحدا فقط، فكل شيء يتعلق باللحظة التي يلتقيان فيها بالكائن البشري.
هناك لوحة شهيرة أخرى لدافينشي هي لوحة العشاء الأخير، وتمثل السيد المسيح مع تلاميذه في عشائهم الأخير، فعندما فكر ليوناردو برسم اللوحة اصطدم بصعوبة بالغة، فعليه أن يرسم الخير من خلال صورة المسيح، فيما الشر عليه أن يكون مشخصاً بيهوذا التلميذ، الذي قرر أن يخون معلمه.
مضى ليوناردو يبحث عن نموذج ليكون للسيد المسيح ممثلاً الخير، وذات ليلة وعندما كان في حفلة موسيقية لمح في وجه أحد المنشدين الصورة الكاملة المثالية للمسيح، فدعاه لمرسمه واتخذه نموذجاً!.
بعد مضي ثلاث سنوات كانت لوحة العشاء الأخير ناجزة تقريبا، إلا أن ليوناردوا لم يجد وجهاً مناسباً يمثل نموذجاً ليهوذا الشر والخيانة، ولأن الإلحاح كان يطارده ليكمل لوحته، فقد أتعبه البحث المضني، حتى اهتدى صدفة إلى شاب بدا شيخاً قبل أوانه، متعتعا من الخمر مرميا في حفرة بقارعة الطريق، فطلب منه أن يرافقه لمرسمه ليتخذه نموذجا، فهذا الوجه القميء القبيح ينفع ليكون موديلا ليهوذا الاسخريوطي.
استطاع الفنان أن ينجز اللوحة بعد أن نسخ سمات الكفر والخطيئة والأنانية والخيانة عن صفحة هذا الوجه، لكن وما أن تمت اللوحة حتى تفاجأ الشاب الذي اتخذه موديلا بأنه قد رأى هذه اللوحة من قبل، فسأله ليوناردو أين رايتها، وأنا لم أنجزها بعد؟!، فقال الشاب ألم تذكرني يا سيدي!، فأنت قبل ثلاث سنوات اتخذتني موديلا لصورة السيد المسيح، فأنا هو ذلك الشاب الذي كان يعمل منشدا في فرقة موسيقية، وقد طلبت مني أن أكون موديلا للمسيح، وها أنت تتخذني هذه المرة موديلا لكن ليهوذا.
فهل يمتلك البشر هذه الازدواجية الفريدة في تمثيل الخير والشر؟!. أم أن ظروف الدهر تمنحنا فرادة جمع النقيضين: الخير والشر؟!.