رمزي الغزوي
ما معنى أن يكون للشعر يوم، نحتفي به بكلمات تشبه التأبين أو الرثاء؟. وما معنى أن نتذكر الشعر بأمسيات ملفقة يكاد لا يحضرها سوى الشعراء المشاركين؟. هل يعني أن الشعر، هذا الكائن النوراني الضيائي، بات قاب غفوتين أو أدنى، من السقوط في لجة النسيان والضياع؟.
لا يعجبني أن نخصص يوماً للأشياء الجميلة: يوم الأم، الحب، الشعر، لأنها خالدة، وتعليبها أو بوتقتها في يوم يشعرنا أنها باتت قريبة من الاندثار، ولهذا منحوها ذكرى عابرة في يوةم عابر؛ كي يأخذوا بيدها؛ وكي يقولوا أنها ما زالت على قيد التنفس في غرفة الإنعاش.
ربما كانت حركة ذكية، أن يختاروا اليوم العالمي للشعر في الحادي والعشرين من كل آذار، ليكون مواكباً لعيد الأم، والنيروز، وبدايات الربيع. فهل هذا دليل فاضح بأن الشعر غدا آيلاً للإنقراض، ولهذا تم حشر يوميه الاحتفالي في هذا التاريخ تحديداً؛ علَّ الصواب يعود لعالمنا المجنون، فيستعيد شاعريته، بعدما أخذته البلادة والتكلس، وصار بلاستيكياً، منزوع الروح بارداً.
والشعر درج على سجادة الأرض قبل الكلام، وقبل نقوش الحرف، الشعر تفتق مع أول حركات الإنسان المتلعثمة عند كهفه الأول، أو في الغابة وغموضها وسحرها ورعبها. الشعر دهشة الإنسان الأولى من أشياء أراد أن يراودها عن أسرارها وخباياها وظلالها. وأن يفهم بوحها وجوانيتها.
والشعر تشكّل من لهفة الإنسان، حينما رأى قطن السحاب يجيش في صحن السماء، ثم يتنزل المطر خيوطاً ناعمة، فحاول أن ينسج منها كنزة لدفء مشتهى لذيذ. أو أن الشعر بدأ حين كان ذلك الإنسان يلاحق فراشة لعوباً، تأخذ قبلة خاطفة من كل زهرة وتطير بعيداً.
لا أكاد أتصور عالمنا بلا شعر، أو بلا شعراء، وإن كان إفلاطون قد طردهم من جمهوريته الفاضلة، فأنا لا أكاد أتخيل هذا العالم قادراً أن يحيا، بلا أجنحة، وبلا خيال، ولا أكاد أتصور أن الشعر لم يعد ديواناً للعالم، وديواناً للعرب، وديواناً لكل الأشياء الجميلة. فأرجوكم ردوا الاعتبار للشعر، فلست أخاف قنبيلة هيدروجينية تنهي حياة الأرض، بل مازلت أرتجف خوفاً ممن لا يقرأون الشعر.