جهاد المومني
مؤشر مطمئن يؤكد الجدية بتشكيل لجنة وزارية لتطوير التشريعات الناظمة للعمل السياسي، خطوة جيدة ولكن العمل السياسي ليس مجرد تشريعات، فقبل التشريعات والقوانين هناك عدة خطوات عملية يجب ان تتقدم بها الحكومة او اية جهة مكلفة بهذا الملف ابرزها هذه الخطوات البرهنة على أن التنمية السياسية في البلد اصبحت حاجة ملحة وبرنامجاً يسير جنباً الى جنب مع البرامج الاخرى، لكن دعونا لا نتشاءل قبل ان نقرأ ونسمع عن قرارات او توصيات ملزمة ما دامت اللجنة ليست مجرد تشكيلة صورية غايتها اسكات الاصوات المطالبة بالاصلاح، وانما لجنة وزارية تملك الصلاحيات الكافية لنقل العمل السياسي الى مرحلة متقدمة جداً متجاوزة حالة التردد السائدة . وهنا نطرح امام اللجنة الموقرة السؤال التالي : ما هو العمل السياسي المقصود – مع تحفظي على عبارة (عمل سياسي ) – هل هو العمل الحزبي ام عمل الحكومة على جبهة الاصلاح السياسي ممثلة في وزارة الشؤون السياسية، ام ماذا بالضبط ؟افترض ان المقصود العمل السياسي الشامل بشقيه الرسمي والشعبي لان فكرة الاصلاح السياسي تظل عقيمة ما دامت الحزبية مجرد اطار فارغ وضحية لرفض الرأي العام لاسباب ليست الحكومات بريئة منها وما دام الحزبيون وجهاء بعباءات تنظيمية، والعمل السياسي سيظل ناقصاً ما لم تكن الحكومات جزء فاعلاً منه، وما دام مجلس النواب منشغلاً عن السياسة بالركض وراء تقديم الخدمات للناخبين ولا يقدم مبادرات حقيقية لاصلاح التشريعات السياسية وهي مهمة من صلب واجباته وصلاحياته، وما دامت الهيئة المستقلة للانتخاب مستثناة من العضوية في لجنة تنظر في التشريعات التي ستطبقها الهيئة على الارض وقد يكون لها رأي نافع فيها، ثم أين بقية اطراف المعادلة في البلد ممن لهم مصلحة مباشرة في العمل السياسي ؟.
لجنة وزارية نعم، ولكن بهذه التشكيلة الناقصة (لعم )، فليس المهم ان تكون اللجنة وزارية بقدر ما يهم ان يكون اعضاؤها ممن لديهم الخبرة المجتمعية والرسمية والتشريعية في قضايا التنمية السياسية واصلاح اعمدة العمل السياسي وفي مقدمتها التشريعات وليس عندي اي شك ان اعضاء اللجنة من خيرة الناس، وما لم تكن اللجنة تملك صلاحيات حقيقية تسمح لها ان تقرر لا ان ترفع توصيات تحفظ في الادراج كما حدث لتوصيات لجنة الحوار الوطني، وعندما نقول التشريعات السياسية فالمسألة واضحة ولا تحتاج الى تفكير طويل، قانون الانتخاب وقانون الاحزاب هما عصب العمل السياسي اذا صدقت النوايا، وقبل الشروع باجتهادات مضجرة اصابت الناس بالاحباط منذ العام 1989 والى اليوم، فان من المهم الاجابة على سؤال جوهري : ما هو قانون الانتخاب المطلوب؟ وليس بالضرورة ان نذهب الى التفاصيل في معرض الاجابة عن السؤال، تكفي هنا المبادئ العامة التي يجب ان يستند اليها القانون، فهل المقصود قانون ينحي طرفاً او اكثر من المعادلة ويضع خطوطاً حمراء، ام قانوناً يحتظن كافة القوى السياسية ويأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع الاردني بعشائرة ومكوناته الاجتماعية المختلفة؟ والشق الثاني من السؤال، هل نريد قانوناً ذكيا ام قانوناً ماكراً، فالقانون الذكي يجمع كل الاردنيين تحت مظلة واحدة ويفترض حسن النية لدى الجميع ولا يدبر المكائد لا لهذه الجهة ولا لتلك، مبتدأه ان من سيشملهم القانون هم اردنيون ملتزمون بالدستور ومخلصون للدولة ولنظامها السياسي، فهل تتوفر هذه المواصفات في جميع المنشغلين بالشأن السياسي في البلد ؟ اما القانون الماكر فيفصّل بحيث يحدد سلفاً فرص كل طرف من شركاء العمل السياسي ونتائجه في الانتخابات .
ربما لا تكون الاجابة سهلة على اي جهة تشريعية لديها تصورها الجاهز عن قانون انتخاب يحظى بالتوافق في حده الاعلى وبالاجماع في حده الادنى، وهنا أيضاً لا بد من سؤال كبير مؤرق بالنسبة لشريحة واسعة من الاردنيين، هل تتساوى جميع القوى السياسية بالنوايا الطيبة تجاه مصالح الدولة الاردنية، ام أن هناك ثغرات تحتاج الى اعادة النظر في مستوى الثقة ببعض القوى السياسية بل وحتى بعض الاشخاص؟
الجواب بكل أسف يراوح نفس المخاوف السابقة ولم يتجاوزها، فمن هو السياسي الاردني الذي يغامر بمنح كل القوى السياسية نفس الفرصة في الانتخابات، ومن هو المشرع الاردني الذي يجازف برفع يده ليقر قانوناً لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح الدولة الاردنية ومستقبلها وعلاقاتها مع العالم .! فهل هذه المخاوف مشروعة ام ان على المشرع المضي نحو تشريع بلا محددات سياسية بالاساس، وماذا عن المحددات الديموغرافية، هل لا زال البعض يصر على توزيع المقاعد النيابية نسبة الى عدد السكان بغض النظر عن اية اعتبارات الاخرى، ما هو الموقف الحقيقي من المعايير الثلاثة المعتمدة في توزيع المقاعد النيابية على الدوائر الانتخابية على مستوى العالم، السكان والمساحة ومستوى التنمية في الدائرة الانتخابية، هل يقبل بها الجميع او لنقل الاغلبية، ام أن الخلاف الحقيقي حول توزيع المقاعد وليس على اي بند آخر في القانون، وهو خلاف يتستر خلف ذرائع اخرى لكنه في واقع الحال عقدة تواجه اي قانون انتخاب قبل وخلال وبعد اقراره، وتواجه اية انتخابات في تدني نسبة المشاركة لنفس السبب وهو المنافسة على حصة كل تجمع سكاني من عدد المقاعد بغض النظر عن اية اعتبارات اخرى، ولا خلاف جوهرياً على النظام الانتخابي في واقع الامر، وكل ما يقال بهذا الصدد ذرائع للاحتجاج على توزيع الحصص .!؟