ما زالت النساء العاملات في قطاع الإعلام في الأردن يكافحن لأخذ مكانتهن المناسبة، بل المستحقة في هذا القطاع الذي يوصف بأنّه “ذكوري”؛ لهيمنة الذكور العاملين فيه، لجهة العدد بالمجمل وصناعة القرار في مستويات عدة. ومعلوم أنّ هذه الهيمنة لا تتعلق بقطاع الإعلام وحده، بل ربما يكون الإعلام، في بعض الحالات، أقلها، لكنّ هذا لا ينهي ولا يلغي حجم المعاناة التي تمر بها إعلاميات وعاملات في هذا القطاع بكلّ أقسامه، فقط لأنّهن نساء.
بحسب المنظمة الدولية لدعم الإعلام (IMS)، وهي دنماركية غير ربحية، هناك 260 عضوة في نقابة الصحافيين الأردنيين من أصل 1229، وفقاً للنقابة حتى عام 2017، في حين يبلغ عدد النساء في قطاع الإعلام غير المنظم نقابيا 184 من أصل 643 عضوا وعضوة حتى عام 2015، وهي آخر إحصائية لمركز حماية وحرية الصحافيين المستقل، و77% من العاملين في هذا القطاع ذكور، بل ويسيطرون على صنع القرار فيه.
هذه مؤشرات خطيرة، وهي وراء حجم الإقصاء الواضح للنساء في قطاع الإعلام بطبقات عدة: أهمها صنع القرار الإعلامي في المؤسسات، تغييب المحتوى الصديق لقضايا المرأة والتركيز على مواد سطحية، بل مسيئة للنساء في حالات كثيرة. والشواهد واضحة على تجريم الضحايا من النساء، وتحميلهن سبب العنف الواقع عليهن، والتشكيك بهن وبأخلاقهن. والأهم غياب تمثيل صوت نصف المجتمع، فكيف يكون المحتوى واقعيا، وهو يظهر نصف الحقيقة ونصف الصورة ونصف المعلومة… والنساء يمثلن فعلاً ما يقارب نصف المجتمع الأردني.
إعلاميات الأردن جزء من معاناة عالمية للعاملات في الإعلام
ناهيك عن غياب الحضور النسوي الواقعي في الإعلام، إذ تعاني العاملات في هذا القطاع أنواعاً أخرى من التهميش، تصل إلى حدّ العنف اللفظي، وأحياناً، في حالات متطرّفة، التحرّش. تتحفظ الإعلاميات عادة عن الحديث في هذا المجال، بل تتطرّف بعضهن لنفي أن يكون ذلك موجوداً أصلاً، وتتصدر المشهد عبارات “عادات دخيلة على مجتمعنا المحافظ” بل اتهمت مؤسسات وطنية اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، وهذه ممولة من ميزانية الحكومة الأردنية، بأنّ لها أجندات خارجية، بمجرّد أن أجرت دراسة عن هذا الموضوع.
إعلاميات الأردن جزء من معاناة عالمية للعاملات في الإعلام، إذ يبدو أنّ 30% من المستجيبات لدراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) 2020 تعرّضن للمضايقة وتحرش عبر الإنترنت، وسبعا من أصل عشر نساء عاملات في الإعلام يتعرّضن لعنف لفظي وتحرش إلكتروني في أثناء أدائهن عملهن. وقالت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، أودري أزولاي، في رسالتها، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف 3 مايو/ أيار إنّ عدداً كبيراً من الصحافيين، لا سيما الصحافيات، يتعرضون “إلى سلسلة تهديدات واعتداءات واحتجاز ومضايقة وتحرش” .
قد تُحرم صحافيات من الترقية، أو يحصر عملهن في أقسام المجتمع وغيره، أو يفضَّل زميلها عليها لرئاسة قسم أو أيّ مميزات لمجرّد أنّه رجل، على الرغم من أنّ التجربة الأردنية أثبتت كفاءة النساء في المواقع القيادية القليلة التي شغلنها في الإعلام. ويهون هذا كله مع العنف الموجه لإعلامياتٍ بسبب مزاولتهن عملهن الصحافي المهني، وكأنّهن يمشين على حدّ سكين، إذ من دون سابق إنذار تكال إليهن التهم والطعن بالأخلاق والشرف، لمجرد رفضهن الانصياع لتوجيهات، أو الخضوع لمطالب بالكفّ عن متابعة عملهن، كما حصل أخيراً مع الصحافية الأردنية، فاطمة عفيشات، التي رفضت الخضوع، وسحب مادة صحافية تناولت وزارة الزراعة ومتنفذين بالنقد بالوثائق، بينت مخالفات عدة وشبهات فساد، فتمّ التهجم عليها لفظياً من موظفين معروفي الاسم والإقامة، وبعلم الوزير، وطُعن بأخلاقها. علقت: “كغيري من الزميلات، نلتزم بالعمل الأخلاقي، إلاّ أنّ فوقية وتعالي المسؤول أباحت له الإساءة اللفظية، من دون أن يلقي بالاً بنا، كأنّنا كإعلاميات علينا البقاء بصورة هشة، وعلى صاحب ربطة العنق أن يمسك سوطاً ويجلدنا كلما أراد”.
هناك وقائع مشابهة لحكاية فاطمة، كتب على ملفها “للحفظ” أي في أدراج العيب والمسكوت عنه، وتحت سطوة “بساطير” السلطة، بأشكالها المالية والإدارية وغيرها. وتبقى النساء اللواتي يتجرأن على العمل في قطاع الإعلام المليء بالألغام للجنسين، الأكثر عرضةً لسلسلة من الانفجارات، بدءاً من الأسرة ورفضها العمل، والمجتمع ورفضه التقبل، وصانعي القرار المهني الرافضين دخولهن المنافسة، وأخذهن على محمل الجد.