د.حسام العتوم
متابعة قمة (جنيف) التي انعقدت في المقر الرئاسي السويسري ( LAGRANSH) بتاريخ 16 حزيران 2021 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن، مثلت دولتان نوويتان عملاقتان من وسط النادي النووي العالمي، وقطبين دوليين اقتصاديين هامين ومن طراز رفيع ومختلفين سياسيا داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة، واحد منهما وهو روسيا الاتحادية ويمثل الشرق وعالم متعدد الأقطاب، والثاني الولايات المتحدة الأمريكية ويمثل عالم القطب الواحد، وكلاهما متغلغلان في العالم، والروسي منهما يمثل من جديد المعارضة والأمريكي يمثل السلطة. ولقد تطرقت القمة تلك الناجحة، والتي هدفت لتضييق المسافة داخل الحرب الباردة وسباق التسلح وبشكل ملاحظ عبر تمديد اتفاقية الصواريخ البالستية –مثلا- لمدة خمسة سنوات قادمة، ورغم أن روسيا معروفة بمناهضتها للحرب الباردة منذ اندلاعها عام 1945 مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وعرفت أمريكا في المقابل بشغفها المحموم لبقاء الحرب الباردة ذاتها مستعرة، لكي تبقى مسيطرة عالميا ولتتمكن من أضعاف روسيا ومعها الصين كما بدى، وكل دولة ترفع رأسها في الشرق لمنافستها. وبطبيعة الحال فإن الميزان السياسي العالمي متقلب، وتحولات عديدة سياسية حدثت بعد الحرب (الثانية)، وبعد قمة (جنيف) الحديثة هذا العام. ومثلي هنا اليابان قبل وبعد، وأمريكا قبل وبعد أيضا.
وملاحظتي العميقة هنا ومن زاوية صحفية و اعلامية من وسط ( جنيف ) المنصرم، هي مطالبة أمريكا باسم إسرائيل منع إيران من صنع قنبلة نووية بسبب مسارها الأيدولوجي المتطرف المهدد إعلاميا، وسياسيا، وعسكريا لتل – ابيب، وتوافق روسي مع هذا التوجه، وانسجام سياسي جديد بين أمريكا وروسيا على أهمية التمسك بالإتفاق النووي الإيراني الدولي (5+1)، وتزويد روسي لإيران في مجال النووي السلمي في المقابل عبر مفاعلات بوشهر )1+2). ولم تتطرق القمة لضرورة سحب السلاح النووي غير التقليدي الخطير من إسرائيل على غرار مطالبة إيران، ويبدو لي بأن الصهيونية من قلب مؤسسة (الإيباك ) للعلاقات الأمريكية – اليهودية تتابع الأمر وكل التحولات المشابهة. ويبقى الأمل معقودا رغم اقترابه من السراب على أن تتعاون الدول العظمى وفي مقدمتها دول مجلس الأمن ومنها روسيا وأمريكا على إخلاء إسرائيل من سلاحها غير التقليدي، ولإعادتها لحدود الرابع من حزيران لعام 1967، وهي التي تحتل أراضٍ عربية في فلسطين وسوريا ولبنان، وتنشر الاستيطان اليهودي غير الشرعي فوقها، في زمن لم يعد يعرف العالم الإحتلال فيه إلا في منطقتنا العربية.
ويقابل هذه المعادلة عدم اعترافنا بتمدد الهلالين الإسرائيلي والإيراني وسط العرب عبر الاحتلال ومعاهدات السلام، والذين هم – أي العرب- بأمس الحاجة للوحدة الحقيقية والإنصات لصيحة مفجر ثورة العرب الكبرى المجيدة عام 1916 الحسين بن علي – طيب الله ثراه- ملك العرب وقتها. كتب سليمان الموسى في مؤلفه (الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 1908 – 1924، (إن الوثائق المتوافرة بين أيدينا تدل أن الملك كان يتصور وحدة بين الأقطار العربية تتمثل في العلم الواحد و النقد الواحد وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد).
فإسرائيل صنيعة صهيونية مؤتمر بازل 1897، وخيارات (جوزيف ستالين) بترحيل اليهود وتوراتهم إلى فلسطين أو القرم أو أفريقيا، وعبر الالتفاف على عصبة الأمم المتحدة عام 1947، وعبر حروبها مع العرب (1948 و 1956 و 1967 و 1968 و 1973)، وحتى عبر معاهدات سلامها معهم عامي (1979 و 1994)، وبعد توسيع رقعة سلامها مع العرب عبر البحرين و الإمارات والمغرب من دون أن تكلف ذاتها للتجاوب مع نداء الأمير الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة بيروت عام 2002 التي دعاها من خلاله وبإسم كل العرب إلى انسحاب كامل إلى حدود الرابع من حزيران مقابل سلام عربي شامل معها. وتعليق لاحق ليفغيني بريماكوف في كتابه (الشرق الأوسط خلف الكواليس) يؤكد فيه قدوم إسرائيل إلى فلسطين لنشر الاشتراكية وسط العرب. ولقد خططت إسرائيل للتوسعة والاحتلال عبر حروبها مع العرب.
وخطط العرب لمهاجمتها ودحرها في حربي (1967 و1973) والتي حاولت إسرائيل فيهما تحريك سلاحها النووي ضد العرب، وهو الذي أخفته عنهم منذ ما قبل اكتشاف سره عبر الخبير النووي الإسرائيلي (مردخاي فعنونو) بواسطة الصحفي البريطاني (بيترهونام)، وعبر صحيفة (سانداي تايمز) الأمريكية عام 1986. وانتصر العرب في حروب ( 1956 و 1968 و 1973)، ولم يعد يخططون لحروب إضافية مع إسرائيل إلا إذا فرضت عليهم. ونظرية القذف بإسرائيل إلى البحر المتوسط التي تبناها جمال عبد الناصر ووزير دعايته (أحمد سعيد) لم تعد واقعية. وكل ما يريده العرب من إسرائيل اليوم ويدعون الدول العظمى في مجلس الأمن لتحقيقه هو عودة إسرائيل لحدود عام 1967 حتى يقيمون سلاما شاملا معها. والأمم المتحدة بالمناسبة اعترفت لإسرائيل بحدود عام 1948 فقط، وطالبتها مرارا عبر قرارها 242 أن تلتزم بتوجهها في الانسحاب من احتلالاتها. وإصرار عربي على حل الدولتين لحماية الاشقاء الفلسطينيين من عنصرية حل الدولة الواحدة، ودعم دولي بصدده. كتب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين “حفظه الله” في مؤلفه (فرصتنا الأخيرة – السعي نحو السلام في زمن الخطر) ص 408: “إن حل الدولتين مع الفلسطينيين يعني في جوهره حلا مع سبع وخمسين دولة يضمن لإسرائيل علاقات طبيعية مع كل الدول العربية والإسلامية التي تدعم جميعها المبادرة العربية للسلام”.
وأشقاؤنا الفلسطينيون مطالبون اليوم قبل أي وقت مضى بتوحيد صفوفهم تحت قيادة واحدة تمثل (السلطة والمعارضة ) في رام الله وغزة، وعبر انتخابات تشريعية ورئاسية يقول فيها الشعب الفلسطيني الجبار المناضل كلمته الوطنية بشجاعة فيما يتعلق بقواعد السلام مع إسرائيل لضمان تحقيق الحقوق الشرعية الفلسطينية العادلة ببناء الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة أولا وحق التعويض ثانيا، وتجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية فوق أرض فلسطين لعام 1967، ولكي ينسحب تجميد المستوطنات ليشمل كافة الأراضي العربية المحتلة.
وآن أوان العرب وعبر جامعتهم العربية أن يستبدلو الشجب والإستنكار جراء العدوان الإسرائيلي المتكرر على فلسطينهم وباقي أراضيهم العربية وشعوبهم، بإعلان أي هجوم على أي بلد عربي أو منطقة عربية هو هجوم على كل العرب مع امتلاك حق الرد السريع فورا وحسب حجم العدوان. ويصعب في المقابل المراهنة مبكراً من قبل العرب على حكومة نفتالي بينيت باسم حزب (يوجد مستقبل وتجمع أحزاب التغيير) التي بدأت أعمالها في إسرائيل بتاريخ 14 حزيران 2021 خلفا لحكومة بنيامين نتنياهو وحزب الليكود التي أرهقت عملية السلام على مدى 12 عاما متتالية. ولا سلام حقيقي مع إسرائيل من دون انسحابها إلى حدود عام 1967، وحتى بعد تخليها عن سلاحها غير التقليدي وفي مقدمته النووي الخطير أيضا.