د.حسام العتوم
تصدر جلالة الملك عبدالله الثاني “حفظه الله ورعاه ” زعماء العرب في لقاء رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن في البيت الأبيض بتاريخ 19 تموز الجاري 2021، وانفرد في ذلك، ترافقه جلالة الملكة رانيا العبدلله، وصاحب السمو الملكي الأمير الحسين. وجلالته الوحيد القادر بين قادة العرب على الحديث مباشرة مع القيادة الأمريكية باللغة الأنجليزية رفيعة المستوى، وبما يملك من ملفات أردنية، وعربية، وشرق أوسطية ساخنة. وكما نقول في شرقنا “المكتوب مبين من عنوانه “، فلقد اختزل جلالة الملك هدف الزيارة الملكية بجملة من الكلمات داخل قاعة الإستقبال الرئيسية في البيت الأبيض موجها كلامه للرئيس جو بايدن مباشرة حيث قال بما معناه: “لقد كان لي شرف معرفتكم لوالدي، وأُعرب عن سعادتي لرؤيتكم في هذا المكان، وأشكركم على كرمكم تجاه بلدي، وفي مجال مكافحة جائحة كورونا، وفي العالم. أنتم قدوتنا، وأمامنا العديد من التحديات، ومن الممكن الاعتماد على الأردن وعلى قادة المنطقة، وللتعاون المشترك”. وجاء رد الرئيس جو بايدن مختزلاً أيضاً، ومساهما في في توضيح هدف اللقاء عبر قصيدة لشاعر إيرلندي عنوانها “العالم يتغير”، حيث قال سيادته (إني أرحب بجلالة الملك الصديق العزيز، ولي ذكرى جميلة مع والدكم عندما كنت عضوا في مجلس الشيوخ، وعلاقة أمريكا مع الأردن استراتيجية، وما دام الأردن معنا سنبقى إلى جانبه، ومساعدتنا للأردن في مجال مكافحة كورونا بسيطة، وسنبقى نطورها).
ومبادرة جميلة ومقدرة من طرف جلالة الملك وولي عهده الميمون الحسين بتوقيف موكبهما المصفح وسط العاصمة واشنطن للسلام على الأردنيين الذين خصصو من وقتهم لتحية جلالته وولي عهده وبسعادة كبيرة . ولقد رافق جلالته وفد مثل رؤساء تحرير كبريات الصحف الأردنية اليومية (الرأي، الدستور، والغد)، وخصص جلالته من وقت زيارته هذه للقائهم . واهتمام إعلامي دولي كبير بالزيارة الملكية الأولى لواشنطن، ولقاءات ملكية سبقت لقاء بايدن، ومنها بعد اللقاء، وشُكر لجلالته للسيدة (نانسي بيولسي) رئيسة النواب- على تقديم أمريكا للأردن نصف مليون جرعة لقاح لمواجهة جائحة كورونا، وحديث ملكي عن أهمية الحل السياسي في سورية والمحافظة على وحدتها، وعلى أمن العراق، وملفات الأردن الوطنية والقومية والشرق أوسطية عالية الشأن، لامست مصلحته العليا وسط قيادات أمريكا ونخبتها السياسية التي يتصدرها مجلس الشيوخ، وحديث ملكي لإعادة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى الطاولة، وتحذير من العودة للعنف.
والأهم بالنسبة للأردن الغالي (الدولة والوطن والشعب)، وكدولة عربية، المحافظ على علاقته الإستراتيجية مع أمريكا، ومع دول العالم، ومن زاوية الند للند، والمصالح المشتركة، ورفض ومواجهة صفقة القرن المشؤمة والتي هي مشروع صهيوني أولا وبامتياز، والمحافظة على الوصاية الهاشمية التاريخية، وبما يراعي أمن الوطن، وهو الخط الأحمر. وموقع الأردن الجيو – سياسي حساس وهام جداً، وهو ما ألمح إليه الرئيس جو بايدن بنفسه. والاقتصاد الأردني عنوان، وبما يحمل ملفه من أرقام ذات علاقة بمساحات والنسب المئوية للفقر والبطالة وشح وتلوث المياه، والتصحر والصحراء (ثلاثة أرباع جغرافيا الأردن صحراء: 81% نسبة التصحر . البطالة: مرشحة للوصول لـ 50 % . الفقر: ذكور 25% و 28,5% إناث، تلوث صناعي في مناطق الفوسفات بمساحة 5كلم2. 15 مليون متر مكعب عجز مائي).
بينما هو ملف الفساد الذي يستهدف التنمية الشاملة، مسيطر عليه بنسبة معقولة، ولدينا دائرة ناجحة لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد تملك أرقاما متقدمة في مجال تطويقه. والأردن يتميز بسمعته العالية في الضبط والربط وعلى كافة المستويات المالية، والإدارية، والأمنية.
فماذا يريد الأردن من أمريكا؟ وماذا تريد أمريكا منا؟ إنها بصراحة رسالة مفتوحة متعددة الجوانب، فمن الزاوية الأردنية ونحن المحتاجون لوحدتنا العربية التي نادتنا إليها ثورتنا العربية الكبرى المجيدة بقيادة ملك العرب وشريفهم الحسين بن علي، نقترب من أمريكا كحليف استراتيجي اقتصادي، وعسكري، وأمني قوي، خاصة والأردن يمتد على أطول حدود مع إسرائيل المحتلة لإراض عربية وناشرة للإستيطان غير الشرعي فوقها منذ عام 1967، وهو أمر مخالف لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والتي في مقدمتها القرار 242. وللأردن حدود ساخنة مع الشقيقة سوريا في الشمال حيث الانتشار الملاحظ للميليشيات الإيرانية ولحزب الله. وحدود مع العراق من الشرق، ومع المملكة العربية السعودية، ومع السلطة الفلسطينية أيضا، ولبنان مرمى العصا.
ونحن هنا في الأردن ومع أمريكا ودول العالم معنيون بمواصلة محاربة الإرهاب الذي غزانا مع دخول أمواج الربيع العربي عام 2011، وحققنا معا نجاحات في التصدي له و تطويق عصاباته المجرمة والتي في مقدمتها “داعش” بإسم تنظيم “القاعدة” الأرهابي الأم، وقدمنا بطلا مغوارا شهيدا، طيارا مقاتلا في الرقة السورية، معاذ الكساسبة، وغيره من الأبطال الشهداء في مواقع الصدام مع الإرهاب هنا داخل الأردن. وكل ما سبق ذكره، مصنف لدينا وعند أمريكا والعالم بإكثر مناطق العالم سخونة وعدم استقرار. ومنطقتنا العربية أصبحت مخترقة من قبل هلالين متصارعين فيما بينهما، (الإيراني والإسرائيلي)، وهما اللذان يعترفان بإنفسهما ولا يعترفان حقيقة بالعرب، لذلك تحتل إيران جزر الإمارات، وتحتل إسرائيل أراض عربية، ولا تعترف حتى اللحظة بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية. ولا رغبة لديها بالعزوف عن استيطانها غير الشرعي، ولا تعترف حتى بأبسط حقوق الفلسطينيين بالعودة أولا والتعويض ثانيا.
حتى عام 2022، سيبلغ حجم المساعدات الأمريكية للأردن 6,375 مليار دولار وفق معاهدة عام 1918 بين البلدين الحليفين. وحاجة الأردن للمساعدات الخارجية سببها عدم توفر المصادر الطبيعية مثل البترول والغاز بمستوى الدول العربية الثرية في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا. وعدم كفاية ما لديه من مصادر مثل البوتاس والفوسفات. ولكون الأردن بلد زراعي غير صناعي، والسياحة محتاجة لتطوير بنيتها التحتية. والمساعدات العربية للأردن لازالت محدودة ( 3 مليارات من السعودية، و2,5 مليار من الإمارات)، ديون أردنية متوقعة تصل لـ 50 مليار دولار حسب تقرير للبنك الدولي لعام 2021.
وسيبقى الأردن محتاجا لرفد اقتصاده بالمشاريع الكبيرة والاستثمار. ودعم منظومته الأمنية ومنها العسكرية أمر مطلوب، وإسرائيل الحليف الاستراتيجي لأمريكا وخطها الأحمر كما ذكرت هنا على طول حدودنا، ومعاهدة سلام بيننا منذ عام 1994، وتبادل سفراء، وميليشيات إيران وعناصر حزب الله في الجنوب السوري بمحاذاة حدودنا ليست لها قدرة الاحتكاك بإسرائيل من طرف حدودنا التي تحميها قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي. والأردن مانع لتمدد الهلال الشيعي عبره بحجة السياحة الدينية القريبة من الحدود الإسرائيلية، وحتى عبر الإغراء بالبترول لثلاثين عاما مجاناً، وهو صمام أمان في المنطقة العربية والشرق أوسطية غير المستقرة والساخنة.
والأردن ليس طرفا في الحرب الباردة التي يقودها الغرب الأمريكي بوجه الشرق من العالم. لكن أمريكا مستفيدة من تحالفنا الاستراتيجي معها، لذلك تريد موقفا منا من شرعية إقليم (القرم)، ومن العلاقة الأردنية والعربية مع روسيا الاتحادية والصين الشعبية.
وتحتل المساعدات الأمريكية للاجئين السوريين في الأردن وفي عموم سوريا موقعا متقدما بالمقارنة مع دول العالم ومنها العظمى، فلقد بلغت حجم المساعدات الأمريكية لهم أكثر من 388 مليون دولار بالنسبة للمتواجدين في الأردن، و 2,4 مليار دولار لعموم سوريا منذ عام 2012 حسب صفحة السفارة الأمريكية في الأردن. ولا زال ملف اللاجئين السوريين في الأردن عالقا، ويكلف خزينة الدولة الأردنية مبالغا طائلة تصل الى 10,5 مليار دولار، وحاجة أردنية لـ 2,4 مليار دولار للإنفاق على وجودهم في شمال الأردن. وبالمناسبة، فإن أمريكا التي دخلت سوريا مبكرا من دون دعوة، قبلت الشراكة السياسية مع روسيا الاتحادية والأردن في مناطق خفض التصعيد، ومنها الجنوبية بين الأردن وسوريا، وجاء دورها متأخرا في السياسة الهادفة للمحافظة على وحدة التراب السوري، ولإعادة اللاجيء السوري لوطنه طوعا.
وفي الختام، أحيي هنا العلاقات الأردنية – الأمريكية لما فيه كل الخير لدولتينا الأردنية بإسم كل العرب وأمريكا بكافة ولاياتها، ولشعبينا العظيمين الأردني العربي والأمريكي.