د.عبدالله القضاة
اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي ستتولى مهمة وضع مشروع قانون جديد للانتخاب ومشروع قانون جديد للأحزاب السياسية، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكماً بالقوانين وآليات العمل النيابي، وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة تشكل محطة مهمة من تأريخ الدولة الأردنية في ولوجها مئويتها الثانية وفق رؤية وطنية واضحة المعالم تجسد التوافق الشعبي والملكي على آلية تحقيق هذه الرؤية الواعدة.
وما أن تشكلت هذه اللجنة حتى بدأ المواطن يتألم من بعض الأفكار والطروحات من بعض أعضائها، وهذا أثار الرأي العام الأردني الذي توحد بأغلبية ساحقة ضد هذه الفئة التي يرى فيها المجتمع خروجا عن الثوابت الوطنية الأردنية، ومن ذلك محاربة الدين والوحدة الوطنية وإستثارة مشاعر الناس عبر الإساءة لنواميس المجتمع، والمعتقدات، والعادات والتقاليد والقيم، وفئة أخرى لاتقل سوءا عنها وهي التي انبرت للدفاع والتبرير لأعمال وأقوال هذه الفئة.
في خضم هذا السجال، ظهر في المجتمع الأردني تياران أحدهما يطالب بحل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية لعدم قناعة مؤيدي هذا التيار بقدرة هذه اللجنة على تحقيق النتائج المطلوبة من جهة؛ وللتخلص من تجاوزات وإساءات بعض أعضائها للثوابت الوطنية الأردنية من جهة اخرى، فيما يرى الآخر ضرورة إستمرار اللجنة لتأخذ الفرصة الكافية لتحقيق الأغراض المطلوبة منها مع ضرورة إقصاء أي عضو من أعضائها يخرج على ثوابت المملكة الأردنية الهاشمية.
من منظور إستراتيجي أقف مع توجهات التيار الثاني؛ فلابد من منح هذه اللجنة الفرصة الكافية لتقديم مخرجات الإصلاح وخاصة أن جلالة الملك ضامن لدعم ونجاح هذه المخرجات هذا من جهة؛ من جهة ثانية فإن حل هذه اللجنة سيعطي فرصة لإعداء الإصلاح لتعطيل مسيرة الإصلاح تحت ذريعة أن الشعب الأردني لا يريد أي خطوة إصلاحية وسيعززون موقفهم بمقاومة الشعب لهذه اللجنة وتعطيل أعمالها وهذا أيضا سيخلق حالة من الإحباط لدى قادة التغيير والنخب الوطنية ويعيدنا للنفق المظلم.
وقد يتساءل البعض: هل سيقف الشعب صامتا مستسلما لخروقات وتجاوزات بعض أعضاء اللجنة وأنصارهم من إعلاميي الضلال والفجور ويتحمل كل هذه الإساءات بحجة إنجاح اللجنة لأعمالها؟ بالطبع الشعب الأردني لا ولن يقبل الضيم وهو من أذكى وأوعى الشعوب العربية، وقد إستطاع بوعيه إسقاط إثنين من أعضاء هذه اللجنة وإسقاط الثالث سيكون في فترة قصيرة جدا، ولكن المطلوب إستراتيجية ذكية لمواجهة خروقات اللجنة.
الإستراتيجية المقترحة تتطلب ركنين، الأول: المراقبة الواعية لسلوك وتحركات بعض الفئات المشبوهة وداعميها من مرتزقة الإعلام، فلعل من حسنات هذه اللجنة أنها ” تغربل” المجتمع الأردني وتمكن أبناء الوطن من إظهار “الزوان” وهذا سيمكن من متابعته والتخلص منه بكافة الطرق السلمية والقانونية؛ وهذا يحتاج إلى متابعة ذكية من النخب والأحزاب وعلماء الأمة والصحفيين الوطنيين وتبني منهجية توعوية شاملة تستخدم كافة الأدوات المتاحة سياسيا، واللجوء للقضاء في الحالات التي تستدعي ذلك.
الركن الثاني يتطلب خلق تيار ضاغط على رئيس اللجنة وأعضائها النوعيين – ومعظم أعضاء اللجنة شخصيات وازنه لهم إحترامهم – لضبط إيقاع عملها وحمله على “تنخيل” اللجنة من خلال الإطاحة السريعة بأي عضو يخرج عن ثوابت الوطن، وأعتقد أن رئيس اللجنة من مصلحته نجاح أعمال لجنته لأنه أذكى من أن يخسر غالبية الشعب وبالتالي ثقة الملك مقابل أن يكسب بعض التيارات الظلامية الهلامية، وما يعزز هذه الفرضية كتابه الموجه للجنة والذي جاء فيه: “مؤسف ما نراه بشكل متكرر وغير منقطع من عدد من أعضاء اللجنة من تجاوزات وخروقات لميثاق الشرف الذي توافق عليه الأعضاء، ويفترض بالجميع احترامه باعتباره أحد المراجع الأساسية لعمل اللجنة”.
بعد مئة عام من بناء الدولة الحديثة مطلوب من الشعب الأردني أن يجيد اللعبة السياسية ولا يفوت أي فرصة لتحسين مستوى حياته وأن يتقن المكر الحسن لمواجهة المكر السيء الذي لا يحيق إلا بأهله “ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله” صدق الله العظيم.