سميح المعايطة
كما يقولون «الجغرافيا قدر» فقدر العرب وإيران أن يكونا جارين، والجوار هنا ليس حدودا بل تداخل في المصالح والقضايا والأزمات، وأيضا تداخل وتنافس وحروب بأنواعها، وإيران ومنذ عقود لم تكن جارا ودودا مع جيرانها وأتحدث هنا عن عهد الشاه الذي كان يتعامل مع جيرانه بمنطق الأقوى ولهذا كانت قضية الجزر الإماراتية وحكايات أخرى كان عنوانها تعاملاً إيرانياً فوقياً مع كثير من محيطها.
وعندما جاء حكم الخميني في نهاية السبعينات أخذت العلاقة مسارا آخر فالأمر لم يعد بسط نفوذ إيراني على الخليج بل زاد على الأمر فكرة تصدير الثورة التي كانت تعني لجيران إيران سعياً إيرانياً لاستعمال الفكرة الطائفية وولاية الفقيه مع مواطنين في دول محيط إيران، وبدلا من النفوذ في الإقليم في عهد الشاه أصبح السعي لنفوذ داخل أوصال دول الجوار.
وجاءت الحرب العراقية الإيرانية التي كانت محاولة للجم نظام إيران الديني وكانت تحظى بالدعم من معظم دول الإقليم لأن العراق أغلق أبواب الموت القادم من الشرق نحو العرب، ونجحت الحرب في تكوين قناعة لدى إيران بألا تخوض بنفسها حربا، لكنها بدأت بصناعة مخالب لها من أبناء دول الإقليم يأتمرون بأمرها وهذا هو عنوان مشكلتها اليوم مع جيرانها، فالنفوذ الإيراني تقوده إيران بخبراء وقادة لكن المقاتلين هم أبناء دول المحيط ممن يؤمنون بولاية الفقيه والتبعية الطائفية وليس للدولة الوطنية.
قبل أشهر نجحت الحكومة العراقية في تنظيم أكثر من لقاء بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين في بغداد، وتم وصف تلك اللقاءات بالإيجابية، وقبل أيام كان هناك لقاء مهم بين وزراء خارجية إيران ودول خليجية ودول أخرى في مقر وزير الخارجية العراقي، وربما نسمع عن لقاءات أخرى قريبا.
منطق الجوار والتاريخ يقول إن إيران لا يمكن إزالتها من خارطة المنطقة، وربما حتى لو تغير النظام فإنه قد يعود للسعي للسيطرة في الإقليم كما كان عهد الشاة، وذات المنطق يقول أن دول الخليج ودولاً عربية أخرى قي الإقليم لن تتحول إلى منطقة نفوذ إيرانية، فحتى في العراق الذي تملك إيران فيه نفوذا كبيرا فإن فيه قوى شيعية وسنية تؤمن بالدولة العراقية الوطنية، وكذلك لبنان واليمن، فالنفوذ الإيراني له خصوم في الدول التي تعتبرها إيران مناطق نفوذ وتبعية لها.
وحتى في أشد مراحل تشدد العرب نحو إيران جاءهم الخذلان من الحليف الأكبر أميركا، فالمعادلة واضحة فأميركا لم تطلق رصاصة تجاه إيران وكذلك إسرائيل، وإيران لم تطلق من أسلحة جيشها طلقة تجاه إسرائيل، وعندما كان شعار إيران أن الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد لم يخطر على بال إيران أن أتباعها سيكونون في بغداد لكن لم يصل أحد إلى القدس.
أما ما يحدث بين أتباع إيران وإسرائيل أو الضربات التي تتلقاها إيران في سوريا من إسرائيل فهو صراع على الحصص ومناطق النفوذ وليس جزءا من حرب عقائدية أو سعياً من طرف لإزالة الآخر.
كل أنواع التشدد الأميركي تجاه إيران لم ولن يصل إلى عمل عسكري، والاتفاق الغربي مع إيران حول برنامجها النووي تم تجميده أو الغاؤه في عهد ترمب، لكن هذا لم يعن أكثر من تشديد في العقوبات، والدول العربية الرافضة لسياسات إيران شعرت بالخذلان عند توقيع الاتفاق لكنه خذلان استمر بعد الغاء الاتفاق ويستمر الآن مع الحديث عن عودة للمفاوضات حول اتفاق جديد.
أما إيران فإنها وأن كانت الظروف تخدمها اليوم في توسيع نفوذها في المنطقة العربية، فإن هذا لا يعني أن هذه السياسة هي الأفضل لها، فهي أيضا لن تستطيع اجتثاث العرب أو تحويل دولهم إلى ساحات لميليشيات تتبع الحرس الثوري، وإذا بقيت تمارس ذات السياسة فإنها ستبقى في حالة استنزاف وخاصة وهي تخوض معارك العقوبات الاقتصادية، وأيضا معركة ساحتها الداخلية.
الحل المستحيل هو أن يتم إزالة إيران من خارطة المنطقة، وهو أيضا أن تفكر إيران أنها ستنجح في الاستحواذ على الساحات العربية عبر مخالبها وميليشياتها، وما يمثل حلا حقيقيا هو بناء علاقة جوار وفق أسس الجوار وليس وفق ما يحدث اليوم، فإيران في نظر غير أتباعها من العرب مشروع فارسي يستعمل الطائفة وفلسطين ولافتة المقاومة، والعداء لإيران حقيقي بل هي في نظر خصومها العرب بلد محتل وتجارب إيران في لبنان والعراق وحتى سوريا تصب في هذا الاتجاه.
على إيران أن تتعامل بتواضع مع محيطها العربي، أما ما تفكر به فهو الحل المستحيل.