مكرم الطراونة
تسلم اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية اليوم مخرجات عملها إلى جلالة الملك، معلنة انتهاء مهامها في هذا الملف تمهيدا لتقدمها الحكومة إلى مجلس النواب ليصار إلى إقرارها.
في الواقع لا يمكن القول إن تحقيق الاصلاح السياسي والإداري كفيل لأن نصل إلى مرحلة مثالية، دون أن يحاكيه إصلاح اقتصادي، ومن هنا تعمد الحكومة إلى تفعيل خطتها الاقتصادية لتجاوز التحديات التي فرضتها جائحة كورونا للوصول إلى مرحلة تعاف اقتصادي.
لا شك أن هذه المحاور الثلاثة تعد العوامل الرئيسة لاستقرار البلد والمضي بها قدما في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تعيشها المملكة، وأن تحقيق هذه المحاور لا يحتاج إلى معجزة بقدر ما يحتاج إلى إرادة.
لكن عندما نتحدث عن دولة تدرك جيدا حجم التحولات محليا وعربيا ودوليا، واختلاف المصالح وتشعبها، فإنه يجب بالبداية أن يعلم القائمون على صناعة القرار أن كل ذلك، رغم أهميته، عبارة عن حلول قصيرة الأمد، لذا لا بد من التفكير بشكل الأردن مستقبلا.
لا يمكن اليوم القول إن هذه المحاور الثلاثة هي كل ما نحتاجه فقط، فالمسألة لا تقتصر على الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والإدارية، إذ إن هناك رافعة غاية في الأهمية يجب أن تمنحها الدولة أولوية في الاهتمام تتمثل في إصلاح التعليم في دولة طالما خرّجت معلمين وطلبة ساهموا في نهضة دول عربية، وآخرين كانت لهم مساهمات علمية كبيرة عالميا.
من جديد يجب التذكير بأن الجيل الأردني الحالي لم يتمكن حتى يومنا هذا من الحصول على بيئة دراسية تؤهله للانخراط في عالم اختلف في مضمونه وهويته واهتماماته ومفهومة القائم على اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا، ما يعني أنه بحاجة إلى أدوات تعليمية تساعده على أن يكون جزءا أصيلا من المستقبل الذي سنجد أنفسنا يوما في أمس الحاجة له.
الخوف على الدولة سيكون من جهل أبنائها معرفيا نتيجة أسلوب تعليم عقيم، ومنهاج غير مرن وغير متقدم وما يزال يحكمه الحفظ والتلقين، بدلا من التحليل والتفسير والاستقصاء. مدارسنا تخرج أجيالا غير مهيئة للتعامل مع ما هو مقبل.
لا ضير أبدا من تشكيل لجنة لإصلاح منظومة التعليم تحتضن في طياتها تنوعا في الخبرات والآراء والتجارب للوصول إلى معادلة علمية تبدأ من بيئة المدرسة وأدواتها والمعلم والطالب والمنهاج، فمن يصنع الإصلاح السياسي بهذه السرعة والإرادة قادر على التعامل بالمثل مع ملف لا يقل أهمية وخطورة كالتعليم.
في الواقع لا يمكن أن نجمل صورة صروحنا التعليمية وأسلوب تدريسنا ومنهاجنا، فهي بشكل قطعي أقل مستوى من إمكانيات هذا الجيل ووعيه واهتماماته، وأقل مستوى أيضا من طموح الدولة الذي تريد بلوغه، وبها لن نحصل على أردن المستقبل.
التحدي الذي يجب تجاوزه اليوم يكمن في البدء في صناعة جيل قادر على الانخراط السياسي والاقتصادي والمعرفي، بطريقة علمية، تهدف إلى بناء وتنمية قدرات أبنائنا على الحوار والإبداع والابتكار، حيث بهذا يمكن القول إن مشروع الإصلاح في بداية مئوية الدولة الثانية قد اتضحت ملامحه.