كتبت سوار القضاه
يتربع في عين جنا على قمة صغيرة بيت جميل تحرس بابه شجرة سرو طويلة… أجمل ما في بنيانه ساحته الخارجية ومضافته الطويلة التي طالما كانت تعج بالبشر … وأجمل ما في روحه رائحة جدتي “أم سهيل” التي بقيت عالقةً في المكان لسنوات طوال رغم أنها توفيت منذ أكثر من ١٥عامًا…
لا زلت أذكر غرفتها والشباك الصغير فيها وخزانة ملابسها القديمة التي كانت تغلق منها فقط بابًا واحدًا بمفتاح… أتذكر شعر جدتي الأبيض بنعومته الفائقة، تقوم بتمشيطه وربطه كل صباح “بمغيطة شعر” سوداء صغيرة وفتل ما انسحب على مشطها منه لرميه في سلة المهملات … أتذكر الشامة في ذقنها… ذقنها الطويل المدبب بعض الشيء أجمل ما ورثتُه عنها…. أتذكر “جزدانها” الأسود الصغير وكندرتها السوداء ذات النمرة الصغيرة… ولقبها المشرف في البلد: “بنت الباشا”، ومدح أمي لها “جدتك كانت قد حالها ما بتحكي كلمة زيادة، كل كلمة بمكانها”..
وأما عن ظهر المنزل، فقد كانت شجرة التين التي زرعها أبي في طفولته تأخذ من جدار البيت متكأً حتى نمت وربت…
مضافة بيت جدي ببوابتها الخشبية الكبيرة لم تغلق يومًا … جدي الذي كان يبدأ باستقبال الناس في العيد من السادسة والنصف صباحًا فيها… جدو “أبو سهيل” طويل القامة شجي الصوت جميل المبسم يحمل عكازا خشبية ويلبس عباءةً سوداء أو ذهبية كان يزور الناس دائمًا و يزورونه… ويشارك في كل الفعاليات التي تخص عجلون وفي العطوات والصلحات العشائرية التي تقام لأجل إصلاح ذات البين…
لي في بيته ذكريات قليلة لكنها منقوشة في ذاكرتي ومزخرفة…
ذلك البيت الذي كان في حياة جدي يعج بنا كلنا “بالعمات والأعمام والأحفاد” كلما جاء عيد أو حل فرح أو ترح أو دق رمضان باب العام…
البيت الذي ساهم في توسعته أبي وعمي سامي أيام الشباب…ورعاه عمي “أبو هيثم” وزوجته عند كبر جدي وجدتي حتى توفيا…
البيت الذي تمنيت أن يخرجني منه جدي عروسًا بعباءته المهيبة… أتأبط يده أو يد عمي محمد أو أحد أخوالي: عدنان أو غسان أو مروان لأخرج من ذلك الباب الكبير … لكن الموت جاء قبل هذا كله….
بيت جدي الذي أغلق اليوم ، وفرغت غرفه من أثاثه المعهود، ومن أصوات ساكنيه، وأنفاسهم… أصبح ضرباً من الماضي فقد رحل ساكنوه بلا رجعة، ولم يعد لنا منه اليوم سوى ذكريات مضت والنظر إليه من الخارج كلما مررنا بعجلون….
بيوت الأجداد حاضنةعظيمة للجميع… تجمع الصغير والكبير…بيوت الأجداد بيوت جميلة يحبها الأحفاد أكثر من الأبناء… بيوت الأجداد ملاعب وحقول وساحات… تجتمع فيها أحلى الذكريات وتعشش فيها الحكايات.
رحم الله من غابوا عنا…. وأدام بيوتنا عامرةً بأهلها…
الذكرى الرابعة على وفاة جدي أبو سهيل رحمه الله…