مكرم الطراونة
من وسط الطلبة في مقر معهد تدريب مهني الزرقاء، أطلق رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز برنامج “خدمة وطن”، الذي هدف إلى تدريب وتأهيل نحو 20 ألف شاب وشابة لدخول سوق العمل، ضمن قطاعات الصناعة والإنشاءات والسياحة. البرنامج بدأ بالعمل، واستفاد منه نحو ألف شخص، قبل أن يتوقف بسبب جائحة كورونا.
بعد ثلاثة أعوام على إطلاق البرنامج صرح وزير العمل نايف استيتية، أن العمل به “لن يعود”. استيتية أوضح أن وزارته بدأت بالتشبيك مع مختلف منشآت القطاع الخاص الأسبوع الماضي لتوفير فرص عمل أكبر للشباب المتقدمين للبرنامج الوطني للتشغيل، وأن نحو 25 ألف وظيفة توفرت حتى الآن ضمن البرنامج، تقدم لها نحو 9 آلاف شخص. لا أريد الغوص في تفاصيل ماهية هذه الوظائف.
برنامج “خدمة وطن”، كغيره من الإستراتيجيات والخطط والمشاريع التي تختفي بانتهاء عمل واضعيها، وتصبح حبرا على ورق، دون أن يفهم الشارع لماذا وضعت في الأصل، وماذا أنجز منها، وماذا حققت، وما هي الأسباب الموجبة لإلغائها، وهل يتوفر بديل أفضل وأكثر نجاعة؟ أتحدى من يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة!
برنامج خدمة وطن كان بالتشارك بين القطاعين؛ العام والخاص، وهو العنوان العريض الذي نصر عليه باستمرار من أجل صياغة تكاملية في التشغيل، إضافة إلى تأهيل أفضل للمتقدمين للعمل من الشباب. لكن، ولسوء الحظ يبدو أننا دائما مضطرون إلى اختبار مشاريع وبرامج لا تكتمل، وأن نتكيف مع طموح كل مسؤول حكومي وأفكاره وارتباكه، فتنتقل عدوى عدم الاستقرار إليه، لأنه لا يمكن له المراهنة على خطط حكومية طويلة الأمد، وشراكة حقيقية مضمونة.
لست بصدد الدفاع عن برنامج “خدمة وطن”، فالجهات المعنية هي الأقدر على تقييمه، وغيره من البرامج، مع قناعتي التامة أن فكرة تقييم البرامج ليست موجودة في قاموسنا، حيث لا رقيب ولا حسيب، لكن ما كان يميزه حقا، هو أنه عبارة عن تدريب عسكري ومهني، يكفل في جانب منه ضمان تنمية الحس الوطني، في وقت تشهد فيه البلاد جيلا يحتاج إلى ترسيخ مفاهيم الانتماء، ومن جانب آخر زيادة الانضباط في العمل، وتحسين الإنتاجية ورفع نسبتها، وهي آفة تنخر اليوم في قطاعنا العام، وبعض أوجهه من الخاص.
في تقرير نشرته “الغد” مؤخرا تحت عنوان “برامج التشغيل.. هل نجحت في تخفيض البطالة؟”، أظهر أنه خلال الأعوام العشرة الأخيرة نفذت وزارة العمل ثلاثة برامج بهدف تشغيل الباحثين عن العمل بشكل يسهم في تخفيض نسب البطالة، كان آخرها البرنامج الذي أطلق قبل شهرين. وأشار التقرير إلى أن الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية أكدت أن تزايد أرقام البطالة مؤشر على عدم فاعلية هذه البرامج، كونها لا توفر ظروف عمل لائقة وجاذبة للباحثين عن عمل.
باختصار، فإن التقرير يؤكد ما هو مؤكد بالفعل، أي أن جميع البرامج المعلنة لم تستند إلى تقييم لما سبقها من حيث مدى جدواها ونجاحها وجدية الأطراف المعنية في القطاعين العام الخاص لتنفيذها. هذا ينطبق، أيضا، على برنامج “خدمة وطن”، فلم نعرف إن كانت الأسباب التي أوجدته قد انتفت؟ أم أن الأمر لا يتعدى أن مسؤولا جديدا يرغب في إلغاء ما جاء به من سبقه، ليأتي بما يرى أنه أنسب، وفقا لقناعاته الشخصية فقط، من دون أي دراسات أو مسوحات تبرر توجهاته الجديدة.