عمر المحارمة
ما يزيد على 12 خطة ومبادرة وإستراتيجية أطلقت منذ العام 1999 لتطوير القطاع العام في الأردن، ولا زالت المعضلات تتفاقم وتتزايد خصوصا بعد “طفرة” إنشاء الهيئات المستقلة بين الأعوام 2003-2010
في تقرير حالة البلاد الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 2018 قال المجلس أن الأردن شهد منذ عام 1999 وحتى صدور التقرير محاولات عدة لإصلاح القطاع العام، منها تشكيل لجنة إصلاح القطاع العام “المرحلة الأولى” عام 1999، تبعها إطلاق أُطلق برنامج تطوير القطاع العام عام 2002، وفي العام 2004 أطلق برنامج تطوير القطاع العام للفترة 2004-2009، تلا ذلك أُنشاء وزارة تطوير القطاع العام عام 2006 تعاقب عليها وعلى وزارة التنمية الإدارية –الاسم الجديد للوزارة- 21 وزيرا، منهم وزيرا دولة لتطوير القطاع العام، قبل أن تلغى الوزارة ويستعاض عنها بوحدة لتطوير القطاع العام في رئاسة الوزراء.
وفي العام 2009 تقدمت الحكومة بخطة عمل لقياس أداء الحكومات والسلطة التنفيذية عموما، وفق نظم الرشد والتقييم من خلال وحدة متابعة الأداء الحكومي المرتبطة برئيس الوزراء، وفي العام 2011 أطلقت خطة شاملة لتطوير القطاع العام عمدت إلى مراجعة السياسات العامة لإدارة الموارد البشرية وتنميتها في القطاع العام، وتقييم السياسات الحكومية لتطوير القطاع العام، وهو ما انتهى بإطلاق إستراتيجية تطوير القطاع للفترة 2011-2013، تبعها الخطة التنفيذية لتطوير الجهاز الحكومي للفترة 2014-2016، وإصدار قانون إعادة هيكلة مؤسسات القطاع الحكومي عام 2014، تلا ذلك وضع برنامج عمل لوزارة تطوير القطاع العام للفترة 2016-2019.
إذا نحن أمام رصيد حكومي زاخر من الخطط والاستراتيجيات وإنشاء الوزارات والوحدات بهدف تطوير القطاع العام، ومقابل هذا الزخم –التنظيري- هناك تراجع واضح في مستوى أداء القطاع العام لم تنكره أية حكومة بما فيها الحكومة الحالية التي أطلقت خطتها يوم أمس.
المجلس الاجتماعي والاقتصادي قال في ذات التقرير ومن باب تقييم المشاريع الحكومية للتطوير الإداري على مدى عشرون عاما، أن التعمق في دراسة المبادرات جميعها الخاصة بإصلاح القطاع العام، يقود إلى مجموعة من الحقائق، أولها عدم وضوح الرؤية المتعلقة بإصلاح القطاع العام وتطويره لدى راسمي سياسات تطوير القطاع العام، مشيرا إلى تغير السياسات بتغير الوزارات، ثم أن بعض تلك الخطط وضعت على عجل إما لاستغلال فرص تمويل خارجي متوفرة أو كاستجابة للتوجيهات الملكية، أو من باب الدعاية لإطالة عمر الحكومات.
وقال المجلس في تقريره أن هذا العدد من المبادرات مبالغ فيه، وأدى إلى إحداث حالة من الإرباك في مجال الإصلاح الإداري، حيث لم يكتب لغالبية هذه المبادرات التنفيذ الكامل، كما إنه لم يتم قياس نتائج وأثر ما تم تطبيقه، أو إجراء دراسات لتحديد ما نفذ من كل واحدة من هذه المبادرات ، الأمر الذي أدى إلى تداخل وتكرار الكثير من الأهداف في هذه المبادرات.
الخطة الأخيرة التي أطلقتها حكومة الدكتور بشر الخصاونة يوم أمس لا يتوقع أن تجد مصيرا أفضل من سابقاتها، بل يمكن القول أنها الأكثر جدلا خصوصا أنها أهملت بشكل تام التطرق إلى الهيئات المستقلة التي يرى معظم خبراء الإدارة العامة أنها المسؤول الأول عن تراجع مستوى أداء الإدارة العامة في الأردن وتداخل الصلاحيات بين المؤسسات الحكومية.
هذا التجاهل –تجاهل الهيئات المستقلة- غريب ومريب بعد أن أصبحت بعض الهيئات مناطق نفوذ لبعض الأشخاص تحمل خزينة الدولة أعباءً إضافية وتستنزف المالية العامة ولنا في هيئة الطاقة الذرية الأردنية مثالا واضحا على هذا، إضافة إلى مجالس المفوضين في العديد من الهيئات فتلك المجالس لا تقدم ولا تؤخر في عمل تلك الهيئات وباتت واحدة من أبواب التنفيع والترضية واستنزاف المال العام.
خطة حكومة الدكتور بشر لتطوير القطاع العام “طبيخ شحاذين” كما وصفها البعض، وهي خطة متناقضة على مقياس “الجرأة والتردد” فقد تجاوزت حدود الجرأة لتصل حدود التهور في إلغاء وزارة مهمة كوزارة العمل، بينما كانت الخطة جبانة ومترددة في التعامل مع ملف الهيئات المستقلة، وفي إبقاء وزارات أخرى بل واستحداث وزارة جديدة لا أب لها ولا أم هي وزارة التواصل الحكومي التي ستضم -التلفزيون الأردني وبترا- متجاهلة تلفزيون المملكة وهيئة الإعلام من مضلتها لأنها على ما يبدو مناطق نفوذ بعيدة عن أذرع الحكومة.
الخطة ألغت ودمجت وزارات مهمة وتجاهلت أخرى يتشابه ويتشابك عملها مع وزارات أخرى كوزارة البيئة التي كان يتوجب دمجها مع المياه، أو وزارات يوجد هيئات تقوم مقامها فكان يتوجب إما إلغاء الوزارة أو الهيئات التي تتقاطع مع طبيعة عملها كوزارة الاستثمار وهيئة للاستثمار، وزارة السياحة وهيئة تنشيط للسياحة، وزارة الاقتصاد الرقمي بوجود أكثر من هيئة عاملة في القطاع، ووزارة التنمية السياسية التي فقدت دورها الأساسي بعد نقل ملف الأحزاب إلى الهيئة المستقلة للانتخاب، والقائمة تطول إذا ما بحثنا في نطاق عمل واختصاص الكثير من المؤسسات والهيئات الحكومية.
بالنسبة للمواطن فكل هذا “كلام في كلام” طالما أن معاملة تسجيل طفل في الصف الأول الابتدائي تبدأ أول الأسبوع ولا تنتهي بنهايته، وطالما أن الحصول على موعد لتصوير طبقي يتطلب الانتظار ست أشهر بالحد الأدنى، وطالما أنك تحتاج للتفرغ يوما كاملا لتجديد رخصة قيادة السيارة، وليس علينا أن نذكر إجراءات إصدار شهادة لمستثمر أو تصريح استيراد أو الحلم بأن لا يضطر المواطن للتنقل بين هذه الدائرة وتلك أو في داخل كل دائرة منها لنقل ملكية قطعة ارض أو حتى لإصدار وثيقة تتعلق بملكيته.
بكل الأحوال لا يتوقع لخطة الدكتور الخصاونة مصيرا أفضل من مصير خطط سابقاتها من حكومات صعدت سلم التطوير وسقطت عند أول درجاته، ولا يتوقع أن ينفذ من الخطة أكثر من 20-30% مما تضمنته، حيث سيطوى الملف مع الإرادة الملكية المتوقعة في أي وقت لقبول استقالة فلان وتكليف علان.