كاريكاتير
عمل مسرحي كوميدي سياسي ساخر
تأليف زيد خليل مصطفى/ وإخراج: د. مجد القصص.
العمل المسرحي مستوحى من لوحات فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي
(التمثيل في عتمة اللوحة)
سليم النجار
عُرض يوم أمس على خشبة المسرح الثقافي الملكي الساعة الثامنة مساء مسرحية “كاريكاتير” من تأليف زيد خليل مصطفى، وإخراج د. مجد القصص، وشارك في التمثيل:
زيد خليل مصطفى
أريج دبابنة
ميس الزعبي
نبيل سمور
آلاء النهار
مثنى الزبيدي
رفيف الجبر
شذى عليان
محمد بطوش
صلاح عيسى
تأليف موسيقى
مراد دمرجيان
فني صوت
خالد خلايلية
تصميم ديكور
طلال سعيد
تنفيد ديكور
محمد العبوشي
تصميم أزياء واكسسوار
مجد القصص
تنفيذ أزياء واكسسور
الي قرة ليان
فكرية أبوخيط
تصميم إضاءة
مجد القصص
منتج منفذ
مجد القصص
مساعد مخرج
نضال جاموس
كل ما ذكرته سابقا تم ذكره في كتيب فاخر قُدم للمشاهدين قبل حضورهم العرض المسرحي، مع الشكر الخاص للداعمين وزارة الثقافة وبنك الاتحاد لانتاج المسرحية.
وفي التفاصيل حاولت المسرحية القول بأن الازمة الإنسانية تكمن في انعدام الوعي بأن العالم القديم بصدد الاحتضار مقابل تأخر ولادة العالم الجديد٠٠٠ وفي هذا الوقت بين الضوء والعتمة تنهض الوحوش “غرامشي” وداخل هذه الهوة السحيقة بين العالمين تنعتق الوحوش الكامنة في تلك المناطق المتعفنة من الذات البشرية لتطلق غرائزها الحيوانية مدفوعة بالخوف الذي يتجلى في انحطاط الإنسان إلى الدرك الاسفل من الحيوانية فيما يشبه البدائية الأولى كما في التوصيف الفرويدي.
(كاريكاتير) آلة من آلات الكشف عن دمار العمران “وآلية حكم” تُعري السياسة التي تساس بها الشعوب، هذا ما يمكن قوله عن تجربة الفنان الشهيد ناجي العلي، وهنا إذا صح أن نتساءل كما تساءل ميكافيلي في كتابه الأمير : “هل من الأفضل أن نحكم بإشاعة الخوف والعمل على استدامته بين الناس أم بإشاعة المحبة؟”
وأجاب ميكافيلي على طريقته: “من الأنجح للسلطة أن تشيع الخوف بين الناس حتى لا ينتفضوا على الطابور”.
د.القصص وزيد يلتحقان بكتّاب “الديستوبيا”
ويمكن اعتبار ” كاريكاتير” خماسية متصلة ومنفصلة – في آن -خماسية دشّنت بها القصص ما يعرف ب “الديستوبيا” وهو جنس أدبي دشنه في الأربعينيات من القرن الماضي “جورج أوريل” بروايته “١٩٨٤” وهي رواية جحيمية، كما وصفها النقاد ينبه فيها الكاتب إلى خطورة شيوع الخوف بين الناس، والعمل على إدامة حالة الخوف لتغذية الحقد بتعمد اشعال الفتن والأكاذيب، فيمرض من يمرض ويجن من يجن وينتحر من ينتحر، ويُقتل من يقتل، حيث يشقى الفرد ولا يبلغ السعادة ابدا، مما يخلق سلامة ثقافة الخوف وعجرفتها٠٠٠! هذا ما أبدعه وعرفه الفنان الشهيد ناجي العلي في تجربته الإبداعية التي دفع حياته ثمناً لها.
“كاريكاتير” لم تقترب من هذه التجربة؛ لا من قريب أو من بعيد، بل جاءت بموقف تصور كاتب النص إنه سياسي، واذا دققنا قليلاً هي مفردات يتداولها القطاع الواسع من الناس، كالدعوة للحرب والنضال ورفض الصلح طبعا الكاتب لم يذكر بشكل صريح رفض الصلح مع من، على عكس الناس كانت تُسمى الأشياء باسمائها، رفض الصلح مع إسرائيل، كل ما فعله كاتب النص، الاعتماد على التموية ولن استطيع القول على التضمير، فهذا له أدواته وإبداعاته.
وقبل الخوض في تفاصيل المسرحية لا بد من التعريف ب”الديستوبيا” هي اشتقاق من ” الأوتوبيا” وهي نقيضها، فهي “المدينة الفاسدة” التي تتحول فيها الأحلام إلى كوابيس وحيث الشر مطلقا وحيث العالم مجرّد من كل ما هو إنساني بل هو عالم جحيمي أفراده ممسوخون أو مجرد كائنات ممسوخة تتقاتل من أجل البقاء، والبقاء هنا للأقوى في بشاعته، وهنا لابد من الإشارة إلى الخلط الذي يقع فيه عدد من الدارسين بين أدب نهاية العالم و”الديستوبيا” كجنس متفرع منه ومختلف عليه٠٠٠
فأدب “نهاية العالم” يبحث أو هو يفترض وقائع كانت سببا في فناء مجموعة بشرية بسبب كارثة ما،
وهو أدب اشتغلت به السينما الأمريكية واستهلكته وكذلك الرواية العالمية ومن أهمها “الرجل الأخير” لماري شيلي في حين تتميّز “الديستوبيا” بالتركيز على شقاء الفرد في تطوافه وهو منذور بالطبيعة وبالضرورة إلى الشقاء ثم الفناء كما يقول أبوهريرة في “في درّة المسعدي” داخل مجتمعات مغدورة في كل شيء، في قيمها وفي إنسانيتها حيث تتحول الأحلام إلى كوابيس في عالم محكوم بالشرّ حيث ينتشر الفقر والحقد والكراهية والفساد والجريمة وتنهض الانتهازيات لتأكل كل الثمار ، فهو باختصار عالم حيواني، الإنسان فيه ممسوخ يحرّكه “الوحش” المقيم في عمقه فيتحول إلى ذئب أو إلى مصاص دماء، ما تجلى عميقا في تجربة ناجي العلي، السؤال هل استطاعت” كاركاتير” تجسيد هذا العمق الإنساني الذي نَظرَ له العلي من خلال رسوماته؟
أم انها قدّمت لغة خطابية مرفقة بصوت عالي يقترب للصراخ الذي شكل ضوضاء على خشبة المسرح؟
ففي “كاركاتير” تهز العاصفة الشعاراتية كل شيء لتصنع “كمياء الفرجة” لتقدم لنا الذات البشرية في شكلها الفجائعي ونحن هنا لسنا أمام “عاصفة شكسبيرية” تنتصر في الأخير للخير وإنما عاصفة كلامية في دلالاتها تتحول فيها الأحلام إلى كوابيس والسعادة إلى شقاء والشر مطلقا والذات البشرية ممسوخة، تم تقديمها على شكل شخصيات تتأرجح بالكلمات بين الدعوة الأخلاقية المثالية المفرطة والمبالغة في طرحها، وبين رفض يعتمد على الرقص والإيحاء، وبدت هذه اللوحة كحائط مبكى تنعي زمانها وتنعي شقاء الذات البشرية في صراعها من اجل البقاء، وطبعا دائما استعادة الأرض، هو العنوان.
لكن ” كاريكاتير” لم تُسمي أي أرض، واكتفت بالإشارة إلى اللهجة الفلسطينة، وهنا للمرّة الثانية هل تشي تجربة المبدع ناجي العلي بهذه الفكرة، أي غياب اسم الأرض؟
سينوغرافيا “كاريكاتير”
وقد جاءت سينوغرافيا ” كاريكاتير “بمثابة المفاتيح التي من المفترض أن يقدّمها الكاتب للجمهور حتى يفهم- ودون مقدمات طبيعة لخطته في الزمان وفي المكان وفي التاريخ وفي الجغرافيا- كما فعلت المخرجة القصص في التعريف بالنص والسنوغرافيا قبل العرض من خلال مخاطبتها الجمهور.
أما الإضاءة فقد تشكلت بلونين أحمر غامق وأبيض كظلال اختلطا بالأسود القاتم، مما صنع اضاءة معتمة هي لون المشهد المجرد من”النور” مع موسيقى قدّمت بصوت يعتمد على ضجيج كلمات الممثلين التي تخرج من حناجر شخصيات حاولت جاهدة مواكبة الموسيقى.
أما أداء الممثلين أثناء اشتغال”كاريكاتير” وهي وأن كانت تتجوّف في رمزيتها معاني السقوط في الزمن والتكرار ومعادلة الراهن القائمة على تأبيد محنتنا الأنطولوجيّة والسياسية والفكرية، فإنّها تؤكد من جهة أخرى على نوع من العجز المسرحي الذي يصاحب المسرح في حدّ ذاته على استنطاق الأتي والمستقبل، لقد إلتبس الخوف والبوح، وراح يترجم محنة الذي يقترب من مهنة الإبداع ومصيرها وأفقها الفكري، كما يترجم فزعه من إزاء ما دفع بعرض”كاريكاتير” إلى حالة بينيّة ( بين/ بين)، فلا هي مسرحيّة ولا هي سينمائيّة ولا طبعا فرجة، هي لحظة توقف فيها الزمن قبل التحول من حالة إلى أخرى.