سعيد الصالحي
كنت أسير في وسط البلد قبل عدة أيام، فاستوقفت رجلا كبيرا في السن تبدو في ملامحه طيبة بلادنا، وبعد التحية سألت الرجل عن موقع سوق السعادة، فقال لي: ليس في عمان سوقا للسعادة ربما تقصد يا ولدي شارع السعادة، ولكنه بعيد وليس في كل عمان، إنه في مدينة الزرقاء، فشكرته وقلت في نفسي ربما هذا السوق جديد ولم يسمع به هذا الرجل الطيب من قبل، وواصلت السير على غير هدى فلن أضل الطريق في عمان فأنا أحفظها عن ظهر قلب لكني لم أسمع بهذا السوق من قبل أيضا، ومرة أخرى استوقفت شابا يافعا وسألته عن موقع سوق السعادة، فهز رأسه نافيا ومط شفتيه مستغربا ومستهجنا، وتابعت مسيري في الشوارع التي أحفظها وكنت أتنقل بكل ثقة فأنا أحفظ الشوارع والزقاق والأدراج جيدا، أحفظ معظم معالم البلد، نعم كنت أحفظ طوال عمري ولم أفكر لحظة أن أفهم.
أبحث عن سوق السعادة في الزقاق وبالقرب من سوق البخارية وسوق البلابسه، وعندما شغلت مخي قررت أن أبيع السعادة بواسطة بسطة صغيرة على رصيف الجامع الحسيني، وبالفعل لم أضع الوقت فقمت بتفصيل فرش خشبي عند أحد النجارين واشتريت منصبا مستعملا من عند أحد محلات تجهيز المناسف وحملت متاعي واخترت زاوية قريبة من بياع المسابح ووضعت فرشي الفارغ هناك، ووقفت أنتظر أول زبون، كان المارة ينظرون إلى الفرش الفارغ ثم يحدقون في وجهي وبعضهم كان يظنني مخبولا فيرمي علي ابتسامة شفقة ويواصل المسير.
مرت ساعتان أو أكثر والكل يحدق ولا يشتري شيئا من فرشي الفارغ، فانتبهت أني لم أكتب للمارة ماذا أبيع، فاستأمنت أحد الفتية على متاعي، وتوجهت نحو أول مكتبة وطلبت منه أن يطبع لي عدة لافتات مكتوب عليها “بائع السعادة”، “سعادة للايجار تنتهي بالتملك”، “امتلك سعادتك بدون وساطة أحد”، علقت اللافتات الصغيرة على جوانب الفرش، وبدأت نظرات المارة تصبح أكثر غضبا ولم تعد بسمات الشفقة والعطف تجد طريقها إلى فرشي، لقد ظنوا أنني ممثل ساخر أصور برنامجا للمقالب، ولم تروق لهم الفكرة ولا المقلب ولا حتى الممثل الساخر، فعدت مسرعا إلى المكتبة وطبعت لافتة أخرى مكتوب عليها “بشرفي ليس برنامج مقالب” ووضعتها في مكان مناسب على الفرش وبهذا أكون قد رميت صنارتي لاصطاد زبوني الأول.
استمر المارة في تجاهل بسطتي وبضاعتي، فقررت أن أهاجر إلى شارع الملك فيصل مرورا بشارع الرضا وأن أضع بسطتي في المنطقة الحيوية بالقرب من المطاعم ومحلات الحلويات وبالفعل نصبت بسطتي بالقرب من أحد محلات المجوهرات وبدأت أنادي على بضاعتي وأغني متصرفا بأغنية محمد عبد المطلب “بياع الفرح راح فين؟” وكان أغلب المارة يظنون بأني محتال وغاوي شهرة واستعراض ولو على حساب آدميتي، مرت ساعات النهار ولم أستفتح.
قبيل المغرب شعرت باليأس وبح صوتي، فعزمت أن ألملم فرشي وأعود إلى منزلي فقد أخفقت اليوم في بيع السعادة، وفجأة سمعت صوتا بالقرب من بسطتي يقول: “شو بتبيع يا أخينا؟” فقلت له: أبيع السعادة يا سيدي، فقال لي باستخفاف: “أعطيني بنص ليرة” فقلت له: أرجوك لا تسخر مني فأنا أبيع السعادة وإن كنت غير راغبا ببضاعتي فاتركني ألملم بضاعتي ولا تزعجني، فقد مر النهار دون أن أبيع شيئا، فنظر الزبون إلي مستهجنا جديتي بالحديث و قال لي : “الله يعوض على أهلك”.
شد الحديث الذي دار بيني وبين الزبون عدد من المارة وأثار فضولهم، وبدأت أتحدث إليهم بعيدا عن البسطة وقريبا من السعادة ونسيت نفسي وتركت البسطة في الشارع وسرت معهم نتجاذب أطراف الحديث، وفجأة تقدم نحوي الرجل الطيب الذي ألتقيته في الصباح وقال لي: كنت أتمنى أن أراك مرة أخرى، لم أجد سوق السعادة ولكن سمعت بأن هناك بسطة تبيع السعادة في آخر شارع الرضا.