سعيد الصالحي
بعد أن دلني الرجل الطيب بكل محبة وعفوية إلى البسطة التي تبيع السعادة في آخر شارع الرضا، عدت إلى بسطتي بعد عدة ساعات لأخذها ولأعيد تجربة بيع السعادة في يوم آخر، فوجدت أن بسطتي قد تم السطو عليها من قبل أحد الأشخاص وقام بعرض بضاعته عليها من مانجا لا أصل لها وعنب زيني وبعض العنب الحلواني، إضافة إلى ميزان ليراعي حقوق الزبائن، وقام بمسح جميع آثاري من جغرافيا البسطة، وقام بتمزيق لافتاتي، فشطبني من جغرافيا البسطة تمامًا، وفي محاولة مني للمحافظة على تاريخي في البسطة بعد أن حذفني جغرافيًا وفعليًا، وقبل أن أتوجه إليه للمطالبة بحقوقي جمعت عدد من جيراني أصحاب البسطات وأصحاب الأكشاك كشهود على حقي التاريخي في البسطة، فتقدم أكبرنا نحو الرجل الذي يقف بكل ثقة خلف بسطتي قائلًا: هذه البسطة لهذا الرجل الطيب وليست ملكًا لك، فلو تكرمت إحمل بضاعتك وأترك البسطة وأمضي بسلام، نظر الرجل من خلف البسطة إلى الرجل المتحدث باسم الجاهة وأجاب أحد زبائنه في البداية “الكيلو بدينار”، ثم نظر إلى الرجل الكبير وقال له بكل ثقة “أغرب عن وجهي” وعاد ينادي على بضاعته غير مكترث بالجاهة الكريمة التي تلتف حول البسطة من كل الجهات، فنظرت إليه كصاحب حق بعد أن أندفع الحق دما في وجهي وفي عروقي وقلت له: “هذه البسطة لي، كنت أبيع السعادة عليها قبل ساعات، فلو سمحت أعد لي بسطتي”، فما كان من الرجل إلا أن تقدم نحوي وبدأ يضرب بي والجاهة الكريمة تحاول أن تبعدني عن البسطة لأنجو من هذا الذئب المسعور الذي يدافع عن بسطتي السليبة كأنها بسطة جده الأول التي افتتحها لأول مرة في عهد المماليك.
خلصني بعض المارة من ضرب الرجل ومن دبلوماسية الجاهة الكريمة، واستضافني أحد أصحاب المحلات لتقديم الاسعافات الأولية لي، بعد أن حصلت على أول ربح لي من بسطة السعادة، لقد كانت مشاجرة من طرف واحد كنت فيها صاحب الحق وصاحب الهزيمة الأولى، فانتهى اليوم وقد أضعنا البسطة وتم تسجيل الهزيمة الأولى لي وحدي والانتصار الأول لدبلوماسية الجاهة الكريمة.
عن أي سعادة و رضا أتحدث بعد اليوم؟ فمن أين ستأتي السعادة بعد كمية الضرب التي نزلت علي؟ وهل ستأتي من باب المواعظ والآراء التي تنهمر علي من كل من شاهد أو سمع بواقعة البسطة؟ أم ما زلت أنتظرها من باب العطوات والجاهات بعد أن تجرعت لذة الجاهة الأولى؟ لملمت جراحي وتوجهت نحو شارع الرضا الذي لا أعرف عنوانًا غيره لأعود إلى منزلي بلا بسطتي وفاقدًا مؤقتًا لسعادتي وأشياء أخرى، هذه القيم والمثل التي تمرمغت على الرصيف بالقرب من بسطة السعادة سابقا وبسطة العنب الحلواني حاليًا وحتى إشعار آخر.
باتت بسطة السعادة تبيع العنب والتين صيفًا، وتبيع البرتقال والمندلينا في الشتاء، وكان صاحب البسطة الجديد الذي لن يملكها مهما فعل، لا يضيع وقته أبدًا فكان يبيع المعمول والدحدح في المناسبات، وحتى في رمضان كان سطل السوس يتقدم البسطة كالحاجب على باب الجرجير والبقدونس، كنت أمر من أمام البسطة خلسة، وكلما سرت على سقف السيل بعيدًا عن شارع الرضا، كان صاحب البسطة الجديد يستنفر للمواجهة ويحتمي خلف البسطة، لأنه كان يظنني قادمًا لمواجهة جديدة، ولكنني كنت أتجنب المرور من هناك وأحيانًا أخاف من المرور لأن صك العطوة فرض الجلاء على المضروب حتى لا يستفز الضارب ويعود لضربه من جديد.
مرت السنوات وتطورت الدنيا كثيرًا، وكبر ابني وأصبح طبيبًا بارعًا وكذلك ابنتي الكبرى أصبحت رائدة في مجال الأعمال وابنتي الوسطى أصبحت خبيرة في القانون الدولي، وابنتي الصغرى ما زالت تتعلم اللغات الشرقية كالصينية والروسية والهندية وحتى البنغالية بعد أن خبت الحاجة للغة الانجليزية فقد اختلفت الساحة الدولية وساد التوك تك على الفيس بوك، وأنا غزا الشيب وبعض الصلع رأسي وبت أحدث زوجي القصة ذاتها في اليوم عشرة مرات، صرت خرفًا تقريبًا، ولم أعد أمتلك الرشاقة للقيام بأي عمل، ولا المعرفة اللازمة في أدوات العصر السائدة لأفهم أي شيء حولي، ولكنني لم أفقد أنا وأسرتي وأصدقائي الإيمان بأن لنا بسطة بالقرب من شارع الرضا حاولت أن تصدر السعادة ذات يوم عندما كان للسعادة من يذود عنها ويحميها.