لا شيء في العالم أسهل من السفر بالزمن، فقط انتظر 5 دقائق وستكون قطعت هذه المدة إلى المستقل، هكذا بكل بساطة! فنحن فعليا نسافر في الزمن إلى المستقبل بمعدل ثانية واحدة في الثانية. لكن بالتأكيد ليس هذا ما يبحث عنه القراء والمهتمون بالسفر عبر الزمن وهواة الخيال العلمي، أليس كذلك؟!
لمشروع آدم
يحلق الطيار “آدم” بطائرته هربا ممن يطاردونه فيطلق قذيفة في الجو تفتح له بوابة زمنية تنقله من سنة 2050 إلى سنة 2020، وهناك يقابل نفسه عندما كان صبيا عمره 12 عاما، فيسعى معه لإيجاد زوجته التي كانت أيضا هربت إلى الماضي لتعطيل “المشروع آدم”، وهو تقنية يعمل عليها والد آدم تسببت في ابتكار تقنية السفر عبر الزمن، لكن صاحبة الشركة التي يعمل بها والده استغلت المشروع كي تسيطر على التقنية وتتحكم في العالم.
ينجح آدم وذاته الأصغر مع والدهما في تدمير “المشروع آدم” بعد قتال مع صاحبة الشركة سوريان وجنودها القادمين من المستقبل لمنعهم. وكانت سوريان غيرت في المستقبل من خلال زيارة نفسها في الماضي وتزويد ذاتها الأصغر بمعلومات قيمة مكنتها من السيطرة، لكن “الأبطال” ينجحون في القضاء عليها وتدمير الجهاز؛ وبالتالي إنقاذ المستقبل.
هذا ملخص فيلم خيال علمي شاهدته قبل فترة وجيزة، والسؤال هنا: هل يمكن للإنسان السفر عبر الزمن، خاصة إلى الزمن الماضي؟ وهل يمكن له أن يلتقي ذاته ويتفاعل معها؟ وهل يستطيع تغيير أحداث الماضي للتأثير في المستقبل؟
نظريات أينشتاين والسفر بالزمن عبر الثقوب السوداء والدودية
ربما لا يرتبط عالم الفيزياء الشهر ألبرت أينشتاين في أذهان معظم الناس بموضوع السفر عبر الزمن، ويتذكرونه بسبب نظرية النسبية الشهيرة، ومع ذلك كانت نظرية أينشتاين للسفر عبر الزمن واحدة من أبرز الفرضيات المدروسة في هذا المجال.
وترتبط بنظرية النسبية نظريتان أيضا لأينشتاين يجهلهما كثير من الناس؛ هما النظرية النسبية العامة والنظرية النسبية الخاصة. وتصف الأولى كيف أن الزمن يتأثر بالأجسام الضخمة، مثل الكواكب والثقوب السوداء؛ فنتيجة للكتل الهائلة لتلك الأجسام وجاذبيتها الكبيرة فإن الزمن يتباطأ بشكل ملحوظ. أما النسبية الخاصة فتنص على أن الوقت يتحرك بشكل أسرع للأجسام المتسارعة، كما تقول أيضا إنه لا يمكن لأي جسم أن يتحرك بسرعة الضوء.
وبُنيت نظرية السفر عبر الزمن لأينشتاين حول نظريتي النسبية، وبشكل عام فإنه -وفقا لتلك النظرية- يمكن لأي جسم يتحرك بسرعة الضوء أن يكون قادرا على السفر إلى المستقبل، كما أنها تشير أيضا إلى أن السفر إلى المستقبل هو الممكن فقط، ويستحيل السفر إلى الماضي.
ووفقا لبعض العلماء، فإن السفر بالزمن إلى المستقبل قد يكون ممكنا عبر الاقتراب بدرجة كافية من أفق الحدث لثقب أسود من دون أن يبتلعك، وذلك لأن الثقب الأسود بجاذبيته الهائلة يعمل على تباطؤ الزمن.
ومن حيث المبدأ، فإنه من خلال الحفاظ على هذه المسافة “الآمنة” يمكن للمرء السفر قرونا إلى المستقبل بالنسبة لمراقبين خارجيين، رغم أنه قد تكون انقضت بضع ساعات أو أيام بالنسبة للمسافر بالزمن، وهذا ما يعرف باسم “تمدد الزمن”.
ويرى علماء أنه من الناحية النظرية يمكن أن تتواجد ثقوب سوداء ثنائية القطب تربط بين مناطق مختلفة من الكون، ويشكلان نتيجة لذلك حلقة زمنية دائرية تسمى “ثقبا دوديا”.
ومثل الثقب الأسود، فإن للثقب الدودي مجال جاذبية هائلا قادرا على ثني “الزمكان”، بما يتيح السفر إلى المستقبل، لكنه يختلف بأن للثقب الدودي حلقة مركزية دوارة، وقد يكون من الممكن المرور من خلال منتصف تلك الحلقة “الفارغة” إلى ثقب أبيض على الجانب الآخر، يتم طرد المادة منه لاحقا.
وتقول معظم النظريات إن السفر بالزمن -إذا تحقق في مرحلة ما في المستقبل- سيكون سفرا باتجاه واحد إلى المستقبل فقط، حيث يستحيل السفر إلى الماضي، لكن بعض نظريات السفر عبر الثقوب الدودية تتحدث عن إمكانية عبورها في كلا الاتجاهين.
مفارقة الجد
على خلاف السفر إلى المستقبل، فإن السفر عبر الزمن إلى الماضي يثير مخاوف كثيرة بسبب المفارقات الزمنية، وأبرزها ما يعرف باسم “مفارقة الجد”، وهي تعبير شائع عن العديد من المفارقات الأخرى التي تتعامل جميعها مع التناقضات في المنطق و/أو التاريخ التي تنشأ عندما يرتكب مسافر عبر الزمن أي فعل لا يغير فقط ماضي المسافر عبر الزمن، ولكنه يغير الماضي وربما مستقبل أي شخص مرتبط بأي شكل من الأشكال بالحدث المتغير.
ومفارقة الجد تقول إنه إذا تمكن شخص من السفر إلى الماضي ووصل إلى وقت يتيح له قتل جده، فإنه بذلك يُحدث مفارقة، وذلك أن قتل الجد يمنع ولادة أحد الوالدين على الأقل، مما يمنع منطقيا ولادة المرء نفسه، وبالتالي من الذي سيقتل الجد؟
يعجز الفيزيائيون والفلاسفة المهتمون عن إيجاد حل واضح لهذه المفارقة، إذ تسلط المعالجات الفلسفية الضوء على أن المسافر عبر الزمن لن يكون قادرا على تغيير الماضي، ولا يمكنه التصرف إلا بطريقة تتفق مع ما حدث بالفعل، لأن قتل المرء جده في الماضي سيمنع فعليا وجود المرء في المستقبل؛ مما يجعل من المستحيل على الحفيد السفر إلى الماضي لقتل جده لأنه لن يكون له وجود في المقام الأول.
أما المعالجات الفيزيائية فتتركز على استحالة السفر إلى الزمن الماضي، والتي تتطلب السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء، وهو أمر خارج قدرة الإنسان، لكن وفق بعض النظريات فإن ذلك ممكن باستخدام فرضية “التمدد الزمني” للثقب الدودي بوصفه آلة زمنية.
مفارقة التوأم
وأفضل مثال على فرضية “التمدد الزمني” ما يعرف “بمفارقة التوأم”، حيث يسافر أحد توأمين بسرعة قريبة من سرعة الضوء، فيشيخ بالتالي بمعدل أبطأ من التوأم الذي بقي على الأرض، فإذا أمضى هذا المسافر سنة كاملة -مثلا- يسافر بسرعة قريبة من سرعة الضوء، فإنه ستمر عشرات آلاف السنوات على الأرض؛ ولهذا فإن التوأم المسافر -في هذه المفارقة- سيكون كبر بمقدار سنة واحدة بينما شقيقه التوأم الآخر على الأرض سيكون مات قبل عشرات آلاف السنين من عودة شقيقه إلى الأرض.
والتمدد الزمني هذا يحدث باتجاه واحد إلى الأمام فقط. وبعبارة أخرى، عندما يعود التوأم المسافر إلى الأرض سيصل في مستقبله الخاص به. وفي حين يكون بالكاد كبر من منظوره الخاص، فإن الأرض وكل ما عليها يكون قد كبر بعشرات آلاف السنين. ومن وجهة نظر المؤرخين والسجلات التاريخية على الأرض، فإن التوأم المسافر سيكون وصل من مكان ما من ماضي الأرض السحيق، وهذه المعضلة هي ذاتها التي تجعل من الصعب حل مفارقة الجد التي ذكرناها آنفا.
ومن الناحية النظرية، فإن السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء لبضع ثوانٍ سيجعل مسافرنا عبر الزمن يعود بالزمن إلى الوراء ويضعه في وضع يمكن أن يقتل فيه جده. ومع ذلك، فإن المشكلة تكمن في أنه خلال الثواني القليلة التي يقضيها المسافر عبر الزمن في السفر بسرعة تقترب من سرعة الضوء، فإن جده سيكون قد تقدم في العمر بنفس معدل تقدم أي شخص آخر على الأرض، وربما يكون الجد قد أنجب ابنا بالفعل مما يجعل من غير المجدي للمسافر عبر الزمن قتله.
وتتمثل إحدى الطرق للتغلب على هذا اللغز في بناء آلة زمنية يمكنها السفر بمضاعفات عالية من سرعة الضوء. ومن الناحية النظرية، قد يتطلب هذا من المسافر عبر الزمن قضاء بضعة ميكروثانية فقط في السفر بعدة أضعاف سرعة الضوء، ولكن المشكلة في ذلك هي أنه في ظل الوضع الحالي لتقنيتنا لا يمكن تجاوز سرعة الضوء، إضافة إلى أن مسافرنا بالزمن لن ينجو من التسارع الأولي وسيمنعه الموت فعليا من قتل جده.
تغيير الماضي وتأثير الفراشة
لكن لو فرضنا أن السفر بالزمن إلى الماضي ممكن، وكل ما يريده المسافر هو تغيير حدث صغير بالماضي كي ينعكس إيجابا على مستقبله، مثلما هو في فيلم “المشروع آدم”، فهل من الممكن تعديل المستقبل بتغيير الماضي؟
الإجابة على هذا السؤال معقدة، وذلك بسبب ما يسمى “تأثير الفراشة”، الذي يقول إن تغيير الأحداث الصغيرة التي تبدو تافهة سيولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية التي ستكون لها في النهاية عواقب يفوق حجمها بمراحل حدث البداية، وبشكل لا يتوقعه أحد، وفي أماكن أبعد ما تكون عن التوقع، وكلما كان التغيير الذي تحدثه أكبر أو كان السفر إلى فترة زمنية أقدم كان التأثير الذي تُحدثه على الحاضر أكبر، وربما يكون مدمرا.
وتفترض معظم النظريات أنه يمكن للإنسان المسافر في الزمن إلى الماضي أن يلتقي ذاته الأصغر سنا، لكنه لن يكون قادرا على تغيير المستقبل، أي أن المسافر في الزمن قد يكون قادرا على التأثير في الماضي، لكنه لن يتمكن أبدا من تعديل أو تغيير الجدول الزمني للتاريخ.
وفي هذا الشأن، ظهرت قبل عامين دراسة لباحثَيْن من جامعة كوينزلاند الأسترالية تفترض أنه إذا كان السفر بالزمن ممكنا، فإن للمسارات الزمنية قدرة على تصحيح نفسها بحيث يحافظ المستقبل -الذي جاء منه المسافر بالزمن- على وضعه الأصلي.
يقول الباحثان (الطالب جيرمين توبار مُعد الدراسة والدكتور فابيو كوستا) إنه لو فرضنا أن السفر إلى الماضي ممكن، وقررت السفر إلى عام 2019 لمنع حدوث جائحة كورونا من خلال عزل المريض رقم صفر (أول مصاب بالفيروس)، فإن الفيروس سيجد طريقة أخرى كي يصيب شخصا آخر؛ وستحدث دائما الجائحة. كما أن هناك مفارقة متعلقة بهذا الأمر في حال نجحت بعزل المريض صفر، وهي أن ذاتك المستقبلية لن تكون قررت السفر إلى الماضي في المقام الأول لأن الجائحة لن تكون قد حصلت، وهنا ندخل في حلقة مفرغة.
واستند الباحثان إلى نظرية النسبية العامة وعدد من الحسابات المعقدة جدا، وتوصلا إلى أنه بغض النظر عن المحاولات التي يقوم بها المسافر في الزمن لتغيير الماضي، فإنه لن يكون لها تأثير على المستقبل، وأن الأحداث ستجري كما هو مقدر لها أن تجري. وبحسب توبار، فإن “الأحداث ستتعدل حول أي شيء يمكن أن يسبب مفارقة، بحيث لا يعود هناك وجود للمفارقة”، وأي شيء حاولت تغييره في الماضي سيتم تصحيحه من خلال أحداث لاحقة.
عودة إلى مشروع آدم
استند فيلم المشروع آدم إلى 3 عناصر يرى معظم الباحثين استحالة تحقيقها؛ وهي إمكانية السفر إلى الماضي، وإمكانية أن يتفاعل المسافر مع نفسه، وأخيرا تغيير أحداث الزمن الماضي من أجل تغيير المستقبل.
ووفقا لأغلب النظريات، فإنه إن كان من الممكن مستقبلا السفر في الزمن، فإن ذلك سيكون باتجاه واحد إلى المستقبل فقط، أما إذا تمكن الإنسان يوما من السفر إلى الماضي فستطارده نظرية “تأثير الفراشة”؛ لذلك فإن أي تعديل ينفذه في أحداث الزمن الماضي سيكون له تأثير كبير وربما يكون مدمرا في الزمن المستقبل بشكل غير الذي توقعه الشخص، كما أنه وفقا للنظريات الحديثة فإنه لا يمكن تغيير مسار تاريخ المستقبل مهما حاول المسافر بالزمن إلى الماضي تعديله، وسيجد المستقبل طريقة لتصحيح مساره بالشكل المقدر له أن يكون عليه.
وفي النهاية، يظل السفر بالزمن مجرد نظريات تستند أساسا إلى إمكانية السفر بسرعة الضوء أو أضعافها، وإلى وجود أو ابتكار ثقوب دودية تخترق حاجز “الزمكان”، وهذه مسائل أبعد ما تكون عن الحقيقة حاليا، لكن لا أحد يعمل ما الذي يخبئه لنا المستقبل.