مكرم الطراونة
باتت أزمة فريق الوحدات مع اتحاد كرة القدم خلفنا بجميع تفاصيلها، بعد أن طوينا الصفحة، بينما عكس مشجعو فريقي الوحدات والفيصلي روحا رياضية وطنية بامتياز عقب انتهاء المباراة التي سادت فيها روح التنافس لا التناحر بين اللاعبين فوق أرضية الملعب.
لكن، وبعيدا عن الدخول في نقاش أبعاد الأزمة بجميع مكوناتها وتبعاتها، ومن هو صاحب الحق، ومن هو الظالم والمظلوم، إن وجدا، فإن ما يلفت النظر إلى هذه الأزمة، هو أنها جسدت مثالا حقيقيا لمفهوم سيادة النظام والقانون مهما كان موج الرفض والمقاومة عاليا، فالتمسك به كان رسالة واضحة بأن لا أحد فوقه.
لقد تمكن اتحاد كرة القدم من ترسيخ هذا الأمر عندما أصر على موقفه، مستعينا بالتعليمات والأنظمة، وهو الأمر الذي سيؤخذ بعين الاعتبار مسبقا مع أي ناد مهما كان اسمه، أو بلغ حجم جماهيره.
بالقياس على ذلك، نعود إلى الحديث عن أن الدول لا يمكن أن تحكم، أو تدار، أو تسير خطاها نحو التقدم والانضباطية، وحتى الانتماء، من دون أن يكون هناك صوت يعلو على الجميع، وهو صوت القانون وسيادته.
وإذا أردنا أن نتكلم بالواقع، فإننا لا بد لنا من الاعتراف بأن الأردن ما يزال دولة خارج إطار المؤسسية، وتحكمها في كثير من الأحيان اعتبارات عديدة تؤدي إلى إزاحات كبيرة للقانون، وتحل مكانه، فباتت الفوضى تنهش المجتمع في كثير من الفواصل التاريخية، لذلك وقعنا فريسة الفساد والترهل، والخوف من اتخاذ القرار، والهروب من تحمل المسؤولية، مع أن الحل في متناول اليد، وهو تفعيل القوانين والتشريعات الناظمة للحياة العامة. لكننا ما نزال غير قادرين على ذلك، أو لا نريد تحقيق ذلك.
في مبحث تطوير القطاع العام، على سبيل المثال، وهو المشروع الإصلاحي الذي أطلقته الحكومة مؤخرا، لا يمكن تجاوز أهمية أن بلوغ الهدف لا يقتصر فقط على دمج مؤسسات ووزارات، وإنما، أيضا، إعادة بناء القواعد من جديد، في الموظفين والإداريين، ممن سيكونون نواة أساسية للتنفيذ، وهذا لا يكون من خلال دورات توعوية تأهيلية، والتي ستصطدم بحقيقة غياب الخوف من القانون، والاطمئنان إلى أن الاعتبارات المجتمعية ستكون خط الحماية الأول لهم.
مهما بلغ الخوف من تبعات تطبيق القانون والتشريعات الناظمة المختلفة، فلن تكون حتما بحساسية التعامل مع أزمة كالتي أدارها اتحاد كرة القدم مع ناد جماهيري كبير جدا، أشغل الرأي العام لأيام عديدة دفاعا عن حقوقه، ومع ذلك تمسك اتحاد كرة قدم بالتعليمات إلى أبعد حد، حتى الوصول لمرحلة كانت ستكون تبعاتها ضخمة؛ مجتمعيا ورياضيا، وربما أمنيا.
اتحاد كرة القدم ليس أقوى من الحكومة، ولا يمتلك الأدوات التي تملكها من تشريعات وسلطة تنفيذية، وأجهزة إنفاذ للقانون، ومع ذلك كان ما قام به الاتحاد درسا في سيادة القانون، يمكن أن يتم اتخاذه مثالا يحتذى، من أجل التأسيس لمرحلة جديدة، نأمل أن تنعكس على جميع الأندية؛ حقوقا وواجبات.
في ملف الفوضى على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، والشكوى المستمرة من عدم القدرة على السيطرة عليها رغم وجود تشريعات لضبطها، يتكشف أن التردد هو العنوان الأكثر وضوحا في تعامل الأجهزة المعنية مع مثيري خطاب الكراهية، واغتيال الشخصية، وهو ما قاد عديدين إلى الكثير من التمادي، واستحكموا، واطمأنوا حتى باتوا على قناعة تامة بأنهم أقوى من القانون وواضعيه. لكن، ومن خلال المثال الذي سطره اتحاد كرة القدم، يمكن للحكومة أن تستفيد منه لتعرف كم هي قوية حين تحتكم للقانون وسيادته، وأن تطبقه بحزم وعدالة على الجميع، وأن لا تقفز عنه تحت أي ذريعة. عندها، ربما ستتغير أشياء كثيرة سلبية، ليس في مواقع التواصل، فحسب، وإنما في جميع القطاعات. كل ما نحتاج إليه هو جرعة من الشجاعة لتطبيق ذلك من أجل مصلحة هذا البلد، لكن من يملكها؟!